آراءدولي

دكتور هشام مهران يكتب  : ” الجمال القبيح”

 

False Beauty Impression (FBI)

بقلم د. هشام مهران

%d9%87%d8%b4%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%87%d8%b1%d8%a7%d9%86-200x200
د. هشام مهران

في خضم الرأسمالية الجارفة والبزنس المستشري في السواد الأعظم من  نواحي الحياة تقريبا  ، انطلقت الشركات العالمية لتبيع كل شيء وأي شيء حتى لتكاد تشعر انه يمكنك شراء السعادة أو الحب في صورة أقراص ،  و تشترى الصحة و القوة في علب كبسولات ، وتشترى سنوات الشباب الضائعة في كرتون من الكريمات. ناهيك عن حقن النحافة و وصفات التكبير و التصغير والشفط والحشو و… و…. و…..

وتبحث تلك الشركات  دائما عن عملائها المستهدفون بكل جد ونشاط ليسلبوا عقولهم و يغيروا أنماك تفكيرهم .وليس أهم من المرأة  في هذا الشأن فالمرأة عاطفية شاعرية خيالية حالمة  بطبعها ، ومن اليسير مداعبة مشاعرها الفياضة بصور الموديلات الكاذبة والجميلات من بنات جنسها . تلك الصور المليئة بحيل المكياج والملابس أكثر مما تحتوى من حيل الفوتوشوب وبرامج الجرافيك  ، ويكفى نظرة واحده قبل وبعد عمليات التعديل و التصوير لتعرف الفرق والحقيقة. ويكفى نظرة واحده لصورة شخصية حديثه لك عزيزي القارئ لتكتشف خداع التصوير وتصوير الخداع.

وتحت تأثير هذا السيل الجارف من شلالات الإعلانات و الصور و برامج الفضائيات تنطلق المرأة لتحصل على نصيبها من ذلك الفردوس المفقود والذى يباع بحفنة من النقود  . صحيح  انه قد يكون باهظ الثمن إلا انه في الأخير يباع و يشترى و يمكن أن يشتريه كل من يملك.

انه التركيز على الجسد ووضع مقاييس غاية في الصعوبة لا يكاد يملكها المرء إلا أن يعيش بنصف معده أو بنصف قلب أو بنصف عقل حتى يتمكن أن يعيش بنصف جسد نحيفا أو رشيقا فلا يأكل ولا يشرب إلا ما يحتاجه لنصف جسد أو لنصف حياه.

وانطلقت النساء في كل بقاع الأرض يبحثن عن هذه الأشياء للحصول على اللاشيء ،  حتى إن احد كريمات تبيض البشرة الشهير كان أكثر مبيعا في الهند حيث النساء الجميلات يسعين إلى بشرة أوربية بيضاء ناصعة  ، مما دفع الحكومة الهندية إلى توقف الحملات الإعلانية لهذا المنتج قائلة : ” السمار من أهم مقومات جمال المرأة الهندية”.

ومن الأمور العجيبة في هذا الشأن لجوء  الشباب لاقتناء بدهان الشعر ” جل ” رغم انه في كثير من الأحيان يكون مؤداه  الصلع المبكر حيث يعمل الجل كطبقه عازله تماما حول الشعر مما يؤدى إلى موته وتساقطه.

وفي رسالة للمرأة الواعية  أقول :  نتفق معا أن صور النجمات اللامعات ليست حقيقيه  ، وان مقاييس جمالهن هي نتاج عمليات من التجميل و التصوير والخداع استمرت لساعات طويلة قبل وأثناء وبعد التصوير.

ومن الضروري أن تعلم المرأة أن الرجل وان كان بالفعل أول ما  يلفت نظره للوهلة الأولى  في المرأة جمال شكلها ، بيد أن  ما يأسره و يقيده  جمال الوجه و الروح  معاً  ، جمال العقل و القلب معاً  .

وان كثيرا من جميلات الوجوه وبهيات المظهر ممن مررن في حياة كل رجل  أصبنهم بالصدمة حينما تحدثوا ، حينما أنتجوا فكرة ما ،  حتى انه في احيان كثيره لترى حدة الكلمات و تتابعها ونبرتها لتغطى وتلغى جمال الوجه الصارخ. تلك الكلمات التي تنبئ بلا مواربة عن قبح الجوهر.

إن جمال الخلق  مقدم على جمال الوجه الطبيعي والمصطنع منه  ،  فعلى سبيل المثال  المرأة العصبية العنيدة المتسلطة فاشلة في زواجها حتما وان كانت أجمل الجميلات ، بينما المرأة الوادعة الهادئة المتفهمة الطيعة موفقة وزوجة ناجحة بكل المقاييس.

ولا يشفع للزوجة صارخة الجمال أيضاً افتقادها للنظافة أو النظام في بيت الزوجية ،  فالزوجة قليلة الحظ من الجمال والأكثر اهتماما بنظافتها و بيتها وأولادها لأدعى الى طول العشرة وجمال الصحبة.

ان جمال المظهر يجذب الرجل لثوان او دقائق او ساعات او حتى شهور لكنه سيتوارى و يتراجع عند اول افصاح عن قبح الجوهر.الجمال الحقيقي هو جمال العقل و القلب و الروح . هو سعة النفس وهدوئها و حبها الفياض انه قدرة المرأة على الاحتواء والسكن والهدوء. هو جمال العشرة والحياة والكلمات و الأفكار والمشاعر.

وحتما إن علينا أن نتخلص من تلك القناعة  المرضية المتأصلة في نفوسنا جميعا إن جمال المظهر هو دليل مؤكد على جمال المخبر فهذان أمران لا يجتمعان إلا في نسبة ضئيلة جدا من البشر أما في الغالب فالأمران لا يجتمعان. تلك القناعة الكاذبة المبنية على سطحية التفكير والنظر إلى الأشياء بمقاييس العين وليست بمقاييس العقول و القلوب .

وليس أدل على هذا من قصة الجمال و القبح للمبدع خليل جبران حيث ذكر تلاقى الجمال والقبح ذات يوم على شاطئ البحر، فقال كل منهما للآخر هل لك أن تسبح؟ثم خلعا ملابسهما، وخاضا البحر. وبعد برهة عاد القبح إلى الشاطئ وارتدى ثياب الجمال، ومضى في سبيله.وجاء الجمال أيضاً من البحر، ولم يجد لباسه ، وخجل كل الخجل أن يكون عارياً، ولذلك لبس رداء القبح، ومضى في سبيله.

ومنذ ذلك اليوم والرجال والنساء يخطئون في التفريق بين الجمال والقبح.غير أن هناك نفراً قليلا ممن يتفرسون في وجه الجمال، ويعرفونه رغم ثيابه. وثمة نفر قليلون يعرفون وجه القبح،والثوب الذي يلبسه لا يخفيه عن أعينهم.

فيا من تبحثين عن بروتين ليملا الشعر بالحيوية والإشراق فإن قراءة كتاب جديد لتملا العقل بالأفكار المشرقة الجميل المبدعة التي تفيض أخلاقا و حلما وعلما جديدا.

وان كان البروتين يكرر كل ستة شهور حتى لا يتلاشى رونقه الزائف  فالقراءة كل يوم تزيدك إشراقا و جمالا لا يتوارى ولا يتراجع أبدا ويزيد ولا ينقص.

ويا من تبحثين عن بياض الوجه الناصع فتبيض القلب بالحب و النفع للآخرين اشد نفعا وأطول آثرا ، ويا من تبحث عن النحافة فلتخفف من الصلف و العناد والتغيير أجمل وأبقى  ، ويا من تبحث عن جسد ممتلئ  ، فروح ممتلئة بالأمل والعمل أجمل وأروع.

يا من تعبتم من تغيير الأجساد وأنهكتكم التمارين و الحميات توقفوا قليلا و اهتموا أيضا بالأرواح والعقول وستفوزون  بالحسنيين . ان السعادة الزوجية لا يمكن أن تشترى معبأة في زجاجات البروتين الأصلي ولا مغلفة في علب المكياج الباهظة الثمن ،  السعادة يجلبها بلا ثمن تجميل الروح و الفكر والقلب.

وإذا كان المثل الشعبي  ينكر على ماشطة الجسد قدرتها على التغيير و التجميل فان الحقيقة الواضحة أن ماشطة الروح والعقل اقدر على التغيير والتجميل والتعديل ،  وان تجميل الأرواح والعقول بالقراءة والتغيير السلوكي والأخلاقي  أيسر وأبقى وانفع في الدنيا والآخرة.

وصدق الشاعر في قوله:

جمال الروح ذاك هو الجمالُ *** تطيبُ به الشمائِلُ والخِلالُ

ولا تُغني إذا حسُنتْ وجوهٌ *** وفي الأجساد أرواحٌ ثقالُ

ولا الأخلاق ليس لها جذورٌ *** من الإيمان توَّجَها الكمالُ

د.هشام مهران

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى