لبنان بين التفاوض والردع.. عون يطرح خياراً وطنياً جامعاً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي جنوباً

أعلن الرئيس اللبناني جوزف عون أن التفاوض لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب هو خيار وطني جامع، مؤكداً أن هذا الخيار لا يتعارض مع الثوابت السيادية بل يسعى لتثبيتها عبر مسار سياسي مدعوم عربياً ودولياً.
التصريح جاء خلال استقبال عون في قصر بعبدا مساعد وزير الخارجية البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هاميش فالكونر، بحضور السفير البريطاني في بيروت هاميش كويل، حيث تناول اللقاء الأوضاع الأمنية في الجنوب ومشروع بريطانيا لبناء أبراج مراقبة على الحدود اللبنانية الجنوبية، على غرار ما أنشأته سابقاً على الحدود الشرقية والشمالية.
مفصل استراتيجي جديد في الموقف اللبناني
عون شدد على أن الجيش اللبناني بات اللاعب المركزي في الجنوب، بعد انتشار وحداته جنوب نهر الليطاني بموجب اتفاق نوفمبر 2024، في أعقاب تراجع وتيرة المواجهات التي فجّرها اغتيال قيادات حزب الله قبل عام.
وأكد أن الانتشار لم يُستكمل بعد بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية وعدم التزام تل أبيب بالقرار 1701 ومندرجاته، مشيراً إلى أن “إعادة إعمار القرى المدمرة لا يمكن أن تبدأ في ظل أجواء أمنية غير مستقرة”.
نحو تفاوض مشروط بالسيادة
تأكيد عون على التفاوض كـ”خيار وطني جامع” يمثل توجهاً لبنانيًا جديدًا بعد سنوات من تمسك الحكومات السابقة بمنطق “المقاومة” كخيار وحيد. ويعكس هذا الموقف رغبة المؤسسة العسكرية في تحويل الملف الجنوبي من ساحة مواجهة إلى ملف سيادة ضمن مظلة الأمم المتحدة.
غير أن عون وضع شروطاً واضحة لأي مسار تفاوضي، أبرزها:
انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة كافة.
وقف الاعتداءات اليومية على الجنوب والبقاع.
تفعيل لجنة المراقبة الميدانية (الميكانيزم) لضمان تطبيق الاتفاق الأمني.
البعد الإقليمي والدولي
زيارة فالكونر للبنان تأتي ضمن جهود بريطانية لدعم استقرار الحدود اللبنانية–الإسرائيلية في مرحلة ما بعد الحرب الإقليمية بين إسرائيل وإيران.
وقد أشاد المسؤول البريطاني بـ”دور الجيش اللبناني في التنسيق مع قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل)”، مؤكداً استعداد لندن لمواصلة دعمها الأمني والإنمائي لبيروت.
دلالات داخلية وخارجية
يرى مراقبون أن إعلان الرئيس عون يعبّر عن نقلة سياسية حذرة في خطاب الدولة اللبنانية، تهدف إلى:
تثبيت موقع الجيش كمؤسسة سيادية جامعة بعد سنوات من الانقسام.
إعادة فتح قنوات الدعم الدولي للبنان التي جُمّدت بسبب الوضع الأمني في الجنوب.
تهيئة بيئة دبلوماسية للتفاوض عبر الأمم المتحدة بعيداً عن الاصطفافات الإقليمية.
خاتمة
في مشهد لبناني مأزوم اقتصادياً وأمنياً، يبرز خطاب جوزف عون كمحاولة لخلق إجماع وطني جديد حول مقاربة “التفاوض من موقع القوة”، مع الحفاظ على حق الردع والدفاع المشروع.
إنها مقاربة لبنانية واقعية في زمن التحولات الكبرى بعد الحرب الأخيرة، توازن بين منطق الدولة وضرورات الأمن القومي.


