آراءحوادث وقضايادوليشؤون عربيةصورة و خبر

أنور غربي يكتب : ماذا سيقول التاريخ عن دستور قيس سعيد لجمهوريته الجديدة ؟

ماذا سيقول التاريخ عن “دستور قيس سعيد لجمهوريته الجديدة”؟ وما علاقة كل ذلك ب سلطات “الحماية الفرنسية”؟
اسابيع قليلة بعد انتخابه كان واضحا تركيز قيس سعيد في اتصالاته على قمة الفرنكفونية والحال أنها لم تكن يوما من أولويات الدولة التونسية ولكن اصرار سعيد كان واضحا لدرجة أنه كان يتناول الموضوع مع ممثلي بلدان ليسوا اعضاء ولا علاقة لهم بالفرنكفونية وبدأت تطرح التساؤلات عن أولويات الرجل وفهمه للملفات.
في منتصف 2020 وبعد اشهر من وصوله لقصر قرطاج كانت وجهة قيس سعيد المفضلة فرنسا وخلال الزيارة تعددت الاخطاء الاتصالية أرجعها البعض لعدم خبرته ومعرفته بالبروتوكالات والسياسات الدولية والمصالح.
يومها ردد قيس سعيد قائمة طويلة من “المشاريع الفرنسية التي سيتم انجازها في تونس” ومن يومها أدركنا بأن الرجل يعيش في خط موازي للواقع .
ردد كلام غير واقعي ولا مفهوم وحاولنا يومها عدم التوقف عند الفضاعات الاتصالية وحجم التزييف للوقائع وللتاريخ ومنها ترديد قيس سعيد أنه قرأ “كل كتب ماكرون” …قلنا نتجاوز حماية لصورة بلادنا وعدم تمكين فرنسا من أوراق ضغط مجانية في التعامل مع السلطات الجديدة في بلادنا.
بعدها ارتمى في أحضان الرئيس الفرنسي وقبل أكتافه في حركة مهينة للشعب التونسي وتاريخه وقال البعض انها قلة خبرة وسارعت رئاسة الجمهورية لاحقا لحذف مقطع الفيديو من الصفحة الرسمية بعد أن تبين أن ما أتاه الرجل يحمل مدلول تبعية تاريخية وحركة كان يأتيها من يؤدون الولاء والطاعة لسلطات للاستعمار.
أصر على اعتبار ان تونس كانت تحت الحماية الفرنسية ولم تكن تحت الاحتلال وفصل بين المسار الجزائري والتونسي في مواجهة الاحتلال ورأى فيه العديد من المؤرخين والمحللين الجزائريين طعنة مجانية للثورة الجزائرية وتقديم خدمات طوعية لفرنسا في وقت يسعى عديد النشطاء لتجريم أفعال المستعمر الفرنسي في كل من الجزائر وتونس والمغرب.
سارع بالتمديد للشركات الفرنسية العاملة في مجال الطاقة في تونس وذلك دون احترام الاجراءات ودون الاخذ في الاعتبار مصالح الاجيال وحقهم في ثرواتهم وكان ذلك أيام قليلة بعد اقدامه على الانقلاب وضمن حزمة اجراءات رأى فيها البعض يومها تأمين لمصالح فرنسا لعشرات السنين.
سكت عن توجيه أي نقد لتصريحات الرئيس الفرنسي ووزير داخليته دارمانا بحق الاسلام والمسلمين في فرنسا والعالم وفي الوقت الذي كانت تعاني فيه فرنسا من حملة مقاطعة واسعة في العالم الاسلامي كان الانقلاب يرحب “بالدعم الفرنسي لمواجهة كورونا” وفي نفس الوقت كان يفاوض على شروط اعادة المهاجرين “الغير نظاميين” لتونس والقبول بالشروط الفرنسية التي تتعارض مع القوانين والمعاهدات الدولية.
تجاهل الحملة الفرنسية المغرضة ضد الشقيقة الجزائر بل كان اثناء الازمة الديبلوماسية بين باريز والجزائر يردد من القاهرة بأن سياسة مصر -السيسي هي سياسته وهو ما اعتبره العديد من المحللين الجزائريين استعداء مجاني لهم خاصة أن الجزائريين كانوا يتساءلوا عن سبب الترحيب الرسمي الكبير الذي أبدته سلطات الانقلاب في تونس ب “الدعم المصري” وشحنات “المساعدات الطبية” في مقابل الاستقبال الباهت لمولدات الاكسجين والمعدات الجزائرية الضخمة التي وضعتها على ذمة الشعب التونسي خلال نفس الفترة الزمنية.
اتهمه الليبيون بأنه أقدم على توفير الحماية لمجموعات تابعة للمخابرات الفرنسية كانت تنشط في ليبيا وقت محاولة حفتر حصار طرابلس ورغم حرص السلطات الشرعية في ليبيا لملمة الموضوع فان فرنسا تمكنت من استرجاع رجالها دون دفع أي مقابل .
عندما توترت الاوضاع بين فرنسا وتركيا في المتوسط حاول التحرش بالاتراك عبر عودة الحديث عن المشاريع الفرنسية في تونس و”القطار السريع” وغيرها من المشاريع الوهمية ومن ثم الترحيب الكبير بوزير خارجية اليونان الذي هاجم تركيا من قصر قرطاج ولاحقا عبر التهجمات المجانية لوزير خارجية الانقلاب ضد الرئيس التركي أو عبر أدواته الاعلامية الموجهة.

ربما يطرح السؤال لماذا يسارع من عينه قيس سعيد للتصريح لوكالة الانباء الفرنسية الرسمية وقبل أن يطلع الشعب التونسي على اي مسودة لمشروع سعيد للتأكيد بأنه لن يتم التنصيص على دور الاسلام أو الهوية الجامعة للشعب.
وربما يتساءل البعض عن القاسم المشترك الذي يجمع من عينهم قيس سعيد لكتابة دستوره والواضح أن الولاء لفرنسا ولثقافتها و تعليمها وازدراء ثقافة الشعب التونسي ولغته ودينه هو القاسم المشترك.
تكفي قراءة سيرة هؤلاء المعينون للاستشارة أو الاستماع لما يقولون لندرك بأن دستور سعيد هو احد الورقات الفرنسية في نسختها الاستئصالية ولكنها ورقة محروقة وبلا اي قيمة لدى التونسيين وسيتعامل معها الاجيال على أنها امتداد لضياع وتيهان البعض الذي لازال يعتبر ان الحماية الفرنسية سوف تجلب لهم الحضوة والمكانة والتبجيل والسيادة على الشعب التونسي.

بقلم / المفكر التونسي الدكتور أنور غربي، المستشار السابق لرئيس الجمهورية التونسي المنصف المرزوقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى