آراء

إمكانيّة التدخّل العسكريّ المصري والعربي لحماية سكّان غزّة

المحامي عبد الناصر حوشان

يعتبر حظر الإبادة الجماعية من القواعد القانونيّة الدوليّة الآمرة ومبدأ جوهرياً من مبادئ القانون الدوليّ العليا ويجب على كل دولة أن تضمن عدم ارتكاب وكالاتها ومسؤوليها أعمال الإبادة الجماعية.كما أنّه يقع على الدول التزاماً قانونيّاً بوجوب اتخاذ كل ما في سلطتها اتخاذه من تدابير لمنع الإبادة الجماعية ” أينما تتصرف أو يمكنها التصرف” ويشمل ذلك استعمال كل ما يمكن للدول استخدامه من تأثير للمساهمة في منع أعمال الإبادة الجماعية في أي مكان في العالم.واستناداً الى رأي الدائرة الاستئنافيّة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة الذي ينص على أنّه :يُمكن استخلاص واستنباط القصد الجرمي في ارتكاب الإبادة الجماعية من حقائق معيَّنة أو دلائل متوافرة مثل : السياق العام لارتكاب أفعال جرمية موجَّهة منهجيًا ضد تلك الجماعة ذاتها ’’نمط سلوك منسق‘‘ سواء ارتكبت هذه الأعمال من نفس الجاني أو من آخرين، حجم ونطاق الفظائع المرتكبة، طابعها العام، تنفيذها في منطقة أو بلد، حقيقة اختيار الجماعة بشكل عمدي ومنهجي بسبب عضويتها في جماعة محددة، إقصاء أعضاء جماعات أخرى، المبدأ السياسي الذي أظهر الأفعال المشار إليها، تكرار الأعمال الهدامة والتمييزية، اقتراف أفعال من قبل مرتكبي الجرائم تنتهك أساس الجماعة أو التي تعتبر بهذه الصفة.واستناداً للمعايير التي وضعها مكتب المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدّة المعني بمنع الإبادة الجماعية كإطارٍ تحليليٍ لتوجيه تقييم أخطار’’ الإنذار المبكر بالإبادة الجماعية‘‘: ومنها ارتكاب جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية ومنها القتل المتعمّد والايذاء المتعمّد والإجبار على العيش بظروف إنسانيّة حاطّة من الكرامة أو تؤدّي للهلاك لجماعة من السكان.وحيث أنّ وجود سجل للتمييز القائم على الهوية دليلاً على توفّر النيّة الجرميّة في تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، كلياً أو جزئياً والتمييز يأخذ اشكال عدّة منها : تعزيز الجهاز العسكري والأمني بشكل مفاجئ او تدريجي و انشاء الميليشيات او زيادة دعمها من خلال زيادة تدفّق الأسلحة ، ومنها الحد من التنوّع ، إعداد السكّان المحليين لاستخدامهم في ارتكاب اعمال معيّنة ، واعتماد تشريعات تقلّل حقوق جماعة مستهدفة ، وفرض قوانين أمنيّة ووضع مرافق طارئة أو استثنائيّة تمسّ الحقوق و الحريّات المدنيّة ، زيادة مفاجئة في الخطابات التحريضيّة أو دعاية الحض على الكراهيّة ، و إيجاد بيئة للإفلات من العقاب ، نشر بيئة تستبيح كل شيء تنشأ من النزاع المسلّح المتواصل الذي يمكّن ويُيسِّر الحصول على الأسلحة في لاستخدامها في اعمال الإبادة الجماعيّة . إنّ ما تم رصده وتوثيقه من ممارسات وتصرّفات واعمال سلطات الاحتلال خلال فترة احتلالها فلسطين وبلغ ذروته خلال الأيام الأخيرة في عدوانها على غزّة والضفّة الغربيّة يعتبر جريمة إبادة متكاملة الأركان التي نصّت عليها المادة’’6/أ ‘‘و ’’6/ب‘‘ و ’’6/ج‘‘ من ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة:أن يقتل مرتكب الجريمة شخصا أو أكثر وأن يكون الشخص أو الأشخاص منتمين إلى جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية معينة: فقد بلغ عدد التقى من الفلسطينيّين في غزّة ’’ 8433 ‘‘ مدنيّاً منهم ’’ 3457 ‘‘ طفلاً و’’2136‘‘ سيدة و’’310‘‘ شيخاً وقتل 35 اعلامي وصحفي 23 يوماً.أن يسفر فعل مرتكب الجريمة عن إلحاق أذى بدني أو معنوي جسيم بشخص أو أكثر: فقد بلغ عدد الجرحى والمصابين أكثر من ’’24960‘‘ مدنيّاً فلسطينيّاً من سكان غزة خلال أسبوعين. وما زال هناك الآلاف من المفقودين تحت الأنقاضأن يفرض مرتكب الجريمة أحوالا معيشية معينة على شخص أو أكثر: ومنها مذبحة مشفى وكنيسة المعمداني التي ذهب ضحيّتها أكثر من خمسمائة شهيد، واختلط فيها دم المسلمين والمسيحيّين ، منع الماء والغذاء والدواء والمأوى عن المدنيّين الفلسطينيّين في غزّة وحصارهم على مدى ’’17‘‘ سنة. تدمير البنى التحتيّة الأساسيّة للحياة، وتدمير المساكن والمساجد ودور العبادة والمشافي ودور الرعاية الصحيّة. تدمير أكثر من ’’1300‘‘ مبنى في الأسبوع الأول من القصف الإسرائيلي وأن ’’5544‘‘ وحدة سكنية في هذه المباني دمرت، فيما أصيبت حوالي’’3750‘‘ وحدة أخرى بأضرار جسيمة إلى حد لم تعد قابلة للسكن، وتدمير 177 مدرسةوحيث أنّ معبر رفح هو المعبر الوحيد بين مصر وقطاع غزة ويقع على الحدود الدولية التي أكدتها معاهدة كامب ديفيد لسنة 1979 في المنطقة منزوعة السلاح المعروفة بمحور صلاح الدين ’’فيلادلفيا الذي يمتدّ على طول 14 كيلو من البحر المتوسط وحتى كرم أبو سالم ، وعند قيام انسحاب إسرائيل من غزّة في سنة 2005 قامت بتوقيع اتفاقية العبور والحركة ووضعته تحت سلطة السلطة الفلسطينية ومصر ومراقبين من الاتحاد الأوروبي كجزء من خطة فك الارتباط الإسرائيلية أحادية الجانب حيث تم تكليف بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية .وحيث أنّ البعثة علّقت عملها في سنة 2007 ثم عادت في سنة 2015 عادت لتقوم بتعيين رئيس لبعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في رفح من قبل اللجنة السياسية والأمنية بالاتحاد الأوروبي ولكن لم يتم تفعيل عمل البعثة لأن ذلك مشروط بوجوب تقديم طلب من السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل. مما يعني أن السلطة القانونيّة على المعبر هي للسلطة الفلسطينيّة لاسيما بعد عدوانها على القطّاع وإغلاق كافة المعابر معه وفرض حصار عسكري مطبق مع تدمير البنى التحتيّة والمشافي والمدارس ودور العبادة والحرمان من الغذاء والماء والدواء الذي يعطي السلطة الفلسطينيّة الحق بالتحلّل من أيّة التزامات بموجب الاتفاقيّات المذكورة . وحيث أنّ تصريحات سلطات الاحتلال المتضمّنة الكشف صراحةً عن أهداف عدوانها على غزّة بأنها تعمل على تهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصريّة الأمر الذي يُشكِّل تهديداً مباشراً وضريحاُ ’’للأمن القومي المصري و الامن القوميّ العربي‘‘ الأمر الذي يمنح الدولة المصريّة الحق بالتدخّل والدفاع عن أمنها القوميّ والقضاء على مصادر تهديد الأمن القومي وهي العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ، كما يمنحها الحقّ بالتدخلّ لتمكين سكّان غزّة من البقاء في أراضيهم و تمكينهم من استمرار الحياة عبر تقديم وسائل الحياة الاساسيّة والامدادات الانسانيّة باعتباره من ضرورات الامن القومي المصريّ سنداً لنصّ المادة ’’51‘‘ من ميثاق الأمم المتحدّة .وحيث أن القانون الدولي الإنساني لا يعتمد على العدالة والمحاكم فقط لفرض احترام أحكامه وإنزال العقوبات على مخالفيه، وإنّما هو قانون يسعى إلى الحفاظ على ’’الحياة في حالات الطوارئ ‘‘ حيث منح المنظمات الإنسانية المحايدة الحقّ بالتدخّل للمساعدة في حماية الأفراد والسكان المعرضين للخطر. ومنحها حقّ المبادرة بتقديم خدماتها في إطار نزاع ما، وتتعهد الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف ألا تعتبر تلك الأعمال تدخلًا في شؤونها الداخلية أو أعمالًا غير ودية، وفي الواقع يجب على تلك الدول أن تسهّل المرور السريع وبدون عراقيل لجميع إرساليات وإمدادات الإغاثة والعاملين عليها وفقاً للمادة ’’70‘‘ من البروتوكول الأول الإضافي لسنة 1977 ولا يجوز لتلك الدول أن ترفض عروض الإغاثة لدوافع أو أسباب سياسية تتعلّق بالنزاع. وينطبق الحكم على منظمّة الصليب والهلال الأحمر الدوليّين بالإضافة الى منظّمات الهلال الوطنيّة العربية والاسلاميّة والمنظّمات الانسانيّة الأخرى. واستناداً لنصّ المادة ’’47‘‘ من اتفاقيّة جنيف الرابعة لسنة 1949 التي تنصّ على أنّه : لا يُحرم الأشخاص المحميّون الذين يوجدون في أي ’’إقليم محتل ‘‘ بأي حال ولا بأية كيفية من الانتفاع بهذه الاتفاقية، سواء بسبب ’’أي تغيير يطرأ نتيجة لاحتلال الأراضي‘‘ على مؤسسات الإقليم المذكور أو حكومته، أو بسبب أي اتفاق يعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال، أو كذلك بسبب قيام هذه الدولة بضم كل أو جزء من الأراضي المحتلة.وحيث أنّ خطة فك ارتباط السلطات الاسرائيليّة الاحاديّة الجانب التي انتهت بانسحابها من القطاع والمستوطنات المجاورة و ابرامها الاتفاقيات المعقودة مع مصر و السلطة الفلسطينيّة أو الاتحاد الأوروبيّ هو تغيير بالوضع القانوني للاحتلال في القطّاع الأمر الذي لا يجيز لسلطات الاحتلال تجيز حرمان سكّان غزّة من الحماية الدوليّة ولا منع تقديم المساعدات الانسانيّة من قِبل أي دولة او منظمة انسانيّة وطنيّة أو دوليّة.وحيث أنّ المادة ’’54‘‘من البروتوكول الأول والمادة ’’14‘‘ من البروتوكول الثاني يحظران استخدام أسلوب التجويع كواحد من أسلحة القتال ضدّ السكان المدنيين .وحيث أنّ عروض الغوث ذات الصبغة المدنية المحايدة التي تقدم دون تمييز مجحف، لا تعتبر انّها شكلاً من أشكال التدخل في النزاع المسلح ولا من الأعمال غير الودية” سنداً للمادة’’70‘‘ من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977.وحيث أن المادة ’’35‘‘ من ميثاق الأمم المتحدّة تنصّ على أنّه: لكل عضو من “الأمم المتحدة” أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع أو موقف من النوع المشار إليه في المادة الرابعة والثلاثين. وفقا للمادة ’’11‘‘ التي تنصّ على أنّ : للجمعية العامة أن تناقش أية مسألة يكون لها صلة بحفظ السلم والأمن الدولي يرفعها إليها أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن أو دولة ليست من أعضائها وفقاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة ’’35 ‘‘ لها أن تقدّم توصياتها بصدد هذه المسائل للدولة أو الدول صاحبة الشأن أو لمجلس الأمن أو لكليهما معاً. وكل مسألة مما تقدّم ذكره يكون من الضروري فيها القيام بعمل ما، ينبغي أن تحيلها الجمعية العامة على مجلس الأمن قبل بحثها أو بعده.وبعد ثبوت عجز مجلس الأمن الدوليّ عنن القيام بواجبه في حماية الفلسطينيين ومنع عمليّة الإبادة بحقّهم بسبب استخدام الفيتو من قبل الدول الخمس ضد أي مشروع قرار بهذا الخصوص ، واستناداً إلى قرار الجمعيّة العامة بجلستها الاستثنائيّة العاشرة المؤرخ في /26/10/2023/ المتعلّقة بالأعمال الاسرائيليّة غير القانونيّة في القدس الشرقيّة وبقيّة الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة المعنون بــ’’حماية المدنيين والتمسك بالالتزامات القانونية والإنسانية‘‘ و المتضمِّن الدعوة الى هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية، ومطالبة جميع الأطراف بالامتثال الفوري والكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وتمكين وتسهيل الوصول الإنساني للإمدادات والخدمات الأساسية إلى جميع المدنيين المحتاجين في قطاع غزة.و استناداً لقواعد القانون الدولي الإنساني العرفي وهي قواعد ’’ملزمة‘‘ سوآءا للدول الموقِّعة عليها أو تلك غير الموقِّعة و التي تنصّ على : وجوب احترام وحماية أفراد الغوث الإنساني، واحترام وحماية الأعيان المستخدمة لعمليات الغوث الإنساني، وحظر تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، و حظر مهاجمة الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين أو تدميرها أو نقلها أو تعطيلها، وجوب سماح أطراف النزاع بمرور مواد الإغاثة الإنسانية للمدنيين المحتاجين إليها، وتسهيل مرورها بسرعة وبدون عرقلة، وتقدم الإغاثة بدون تحيز أو أي تمييز مجحف، مع احتفاظ الأطراف بحق مراقبتها ،والزام أطراف النزاع بتأمين حرية الحركة للأفراد المخولين العمل في الإغاثة الإنسانية اللازمة للقيام بوظائفهم.واستناداً إلى أنّ الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح إمكانية القيام بعمليات دولية غير قسرية بموافقة الدول المعنية وهو ما يمكن الاستناد اليه في تطبيق قرار الجمعية العامة المذكور أعلاه من قبل أي دولة عربيّة أو غير عربيّة أو أي مجموعة دوليّة .وحيث أن فتح معبر رفح من قبل مصر و تقديم الغوث الإنساني و منع الإبادة بحق سكان غزّة وقطع الطريق على سلطات الاحتلال من تهجيرهم نحو أراضيها لا يشكّل انتهاكاً أو إخلالاً باتفاقيّة السلام المعقودة بينهما لأن اتفاق فيلادلفيا لسنة 2005 المعقود بينهما حول محور صلاح الدين ’‘ فيلادلفيا‘‘ يمنحها الحقّ باتخاذ الإجراءات الامنيّة التي تراها مناسبة لحماية حدودها وبالتالي أمنها القومي و الذي نصّ في المادة’’9‘‘ منه على أنّه : يجب على جميع الأطراف إدراك أن نشر قوات حرس الحدود وهذه الترتيبات لا يعدل ولا ينقح ولا يغير معاهدة السلام بأي حال من الأحوال بل هي ترتيبات وتدابير أمنية إضافية لمواجهة التسلل وافق عليها الطرفين.وحيث أنّ قطّاع غزّة بعد تطبيق خطة إسرائيل فك الارتباط الأحادية الجانب وانسحابها من القطّاع ومن المستوطنات المحيطة لم يعد تحت سيطرة سلطات الاحتلال وبالتالي لا يمكنها التذرّع بـ “مبدأ عدم التدخل ‘‘ امام أيّ تدخّل مصري أو عربيّ لإنقاذ سكّان غزّة من الإبادة الجماعيّة التي ترتكبها إسرائيل بحقّهم أو تقديم المساعدات الإنسانيّة دون أي شروط اسرائيليّة او تدخّل من سلطات الاحتلال.كما يمكن لمصر والسلطة الفلسطينيّة الاستعانة بأيّ دولة أخرى للتدخّل في مساعدتها في ذلك ، ولا يلزمهما في هذه الحالة سوى إخبار أو إعلام الجمعيّة العامّة أو مجلس الأمن الدوليّ وفقا للمادة’’ 35 و51 ‘‘ من ميثاق الأمم المتحدة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى