“استقلال القضاء” الكويتي لـ ” وين “

تقرير محمد عبد العزيز
العدل أساس أي ملك ، من دونه يضل الناس الطريق وتتخبط السفينة التي تقلهم وتنهار شراعها . وأساس العدل استقلالية القضاء الذي يعد أداة للعدالة الناجزة في أي مجتمع ، يضبط مسارها ويكرس لقواعد رصينة تنطلق منها ، وهو ضمان أساسي لاحترام مبدأ سيادة القانون ، و صمام أمان يكفل حقوق المواطنين ويحمي حرياتهم .
واستقلال القضاء يعد من أهم أركان العدالة في أي دولة لذا يجد الاهتمام البالغ من رجالها ، لكونه جسرا تعبر عليه ثقة المجتمع بالدولة ودورها في إقامة العدل ، فالقاضي للعدالة كالقطب من الرحى ، لذلك سعت التشريعات الحديثة إلى توفير المزيد من الضمانات لاستقلال القضاء وتوفير سبل العيش الكريم لمنتسبيه.
مشروع استقلال القضاء ، ذلك القانون الذي قدم به عدد غير قليل من المشاريع عبر مجالس الأمة منذ عام 2003 لكنه ظل رهين التأجيل تارة والتسويف تارة أخرى ، بيد أنه الآن ربما يكون قاب قوس واحد أو أدنى من بلوغ النهاية بالإقرار بعد أن كان يعج في السابق بالاختلافات حول عدد كبير من نصوصه .
الآن ورغم وجود تباين قضائي قضائي بشأنه فهو يداعب كثير من العاملين في الحقل القضائي آملين إقراره في دور الانعقاد الحالي ، خصوصاً وان تصريحات السلطات الثلاث بشأنه جاءت ايجابية إلى حد بعيد ما يبشر بدنو اقراره ، بعد أن بات موضع مطالب فئات كثيرة من أهل الاختصاص منذ سنوات كان فيها حبيس بين مطرقة السلطة التنفيذية وسندان التشريعية ومؤخراً دخل القضاء على خط المواجهة .
رئيس لجنة الأولويات البرلمانية النائب د. يوسف الزلزلة : تم الاتفاق علي أن تكون قوانين تنظيم واستقلال القضاء والرسوم القضائية والمحكمة الدستورية ومجلس الدولة سيتم مناقشتها في جلسة 7 يونيو.
الحكومة لم تقدم عددا من مشاريع قوانين القضاء مثل قانون مجلس الدولة ووعدت بتقديمها خلال أسبوع لمناقشتها باللجنة التشريعية وإحالتها للمجلس قبل جلسة 7 يونيو المخصصة لمناقشة تلك القوانين.
ايجابية التشريعية
رئيس السلطة التشريعية مرزوق الغانم قال : ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺣﻠﻢ ﻭﻣﻄﻠﺐ ﻗﺪﻳﻢ ﻭﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻧﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺇﻧﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ، مشيرا إلى ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺆﺷﺮﺍﺕ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﺗﻔﺎﻕ ﻳﻐﻠﺐ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﻳﺤﻘﻖ ﺍﻟﺤﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ، وﺭﻏﻢ الإﺧﺘﻼﻓﺎﺕ ﻓﻲ ﺍلاﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺮﺻﺎً ﺑﺘﻐﻠﻴﺐ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺛﻖ ﻓﻲ ﺃﻧﻨﺎ ﺳﻨﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ جيدة .
انسيابية التنفيذية
الأمر لم يختلف كثيرا لدى السلطة التنفيذية فاتسمت تصريحاتها في هذا الصدد بالانسيابية الشديدة والرغبة في دعم إقرار القانون ، وهذا ممثل السلطة التنفيذية وزير العدل وزيـــر الأوقاف والشــــؤون الإسلامية يعقوب الصانع قال في تصريح لإحدى الصحف : لا توجد أي نقاط خلاف بيـن أعضاء السلطتــيـن التنفيذية والتشريعية في شأن مشروع قانون استقلال القضاء، بل هناك سعي لتحقيق مميزات واضحة لرجال القضاء، تكفل ما يصبون إليه ، وتدعمها الــدولة بكل قوة من اجل استقلال هذا المرفـــق المهم.
وأوضح الصانع أن «الحكومة ممثلة برئيس مجلس الوزراء، وفي ظل توجيهات صاحب السمو أمير البلاد، تحرص على التعاون بينها وبين السلطة القضائية وبما يكفل استقلال القضاء وتحقيق مطالب أعضاء القضاء والنيابة .
وقال : لن أدخر جهداً في سبيل ذلك، ومستعدون للاستماع الى كافة وجهات النظر لأي من القضاة وأعضاء النيابة في أي وقت، مشيراً إلى أن المجال ما زال مفتوحا للتداول والمراجعة، أيا كان الوقت الذي سيتم فيه صدور القانون.
القضائية تعظ
السلطة الثالثة وهى الجهة الأكثر استفادة من إقرار القانون حسمت أمرها بعد إن ثار جدل كبير بشأن ملاحظاتها ، فخرج ممثل السلطة القضائية رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالإنابة المستشار يوسف المطاوعة ليؤكد أن قانون استقلال القضاء وصل إلى اللجنة التشريعية نهاية دور الانعقاد السابق ولا يزال فيها معربا عن أمله في أن يقر في دور الانعقاد المقبل ، نافيا وجود أى خلاف بشأنه ، مؤكدا أن الجميع يسعى إلى تحقيق أهداف التشريع وهو استقلالية القضاء وتطوير مرافقه وتبسيط الإجراءات .
وتابع : يوجد تفهم واضح بين وزير العدل وبين المجلس الأعلى للقضاء، في كل الجوانب التي شهدت تنسيقاً وتفاهماً غير محدود، سواء من حيث تكريس استقلال القضاء أو الاستجابة للحقوق والمتطلبات المادية التي تجعل القاضي آمنا على يومه وغده.
وأوضح أنه تمت مراجعة وإعادة تدارس عدد كبير من مواد المشروع التي تعكس تفهماً واضحاً لوجهة نظر القضاة التي يسعون إلى تحقيقها، وأن استيعاب الحكومة لمطالب القضاة أمر محل تقدير وتفهم من أعلى المستويات، ومن ثم فإن المجلس الأعلى للقضاء يأمل في ضوء هذا كله أن يرى المشروع النور في القريب العاجل وأن يتم إنجازه من مجلس الأمة قريبا .
رفض القضاة
وقد تداعى عدد من القضاة ووكلاء النيابة قبل عدة أشهر مضت لمناقشة مشروع القانون المقدم من وزير العدل بتعديل مرسوم بالقانون رقم 23 لسنة 1990 في شأن تنظيم القضاء . ورفضوا مشروع قانون الحكومة بتنظيم القضاء، مؤكدين على استقلالية القضاء إداريا وماليا.
القضاة أكدوا في بيان أصدروه عقب الاجتماع أن إقرار مشروع القانون المقدم من السلطة التنفيذية لا يمثل طموح رجال القضاء وتطلعاتهم وانه سيفتح الباب للطعن فيه أمام المحكمة الدستورية.
القضاة شددوا في بيانهم أنهم متجاوبون مع المساعي الحميدة التي قام بها رئيس مجلس الأمة وبتوجيهات سامية من سمو أمير البلاد في تقريب وجهات النظر حول مشروع قانون السلطة القضائية ورغبة منا في إحياء نقاش علمي موضوعي ومحايد بعيداً عن وسائل الضغط والتأثير في هذا الاتجاه أو ذاك .
وأكدوا إن استمرار المحافظة على نزاهة القضاء وهيبته يكمن في تعديل القوانين المنظمة لشؤونه وأهمها المرسوم بالقانون رقم 23 لسنة 1990 في شأن تنظيم القضاء بان يرتكز التعديل على ثلاث مسائل أساسية وهي إصلاح البناء الداخلي للسلطة القضائية، والاستقلال المالي والإداري للسلطة القضائية، التأمينات المالية والاجتماعية الخاصة برجال القضاء.
القضاة في بيانهم : أنه وأمام مشروع القانون المتكامل الذي أعده رجال القضاء، وضعت السلطة التنفيذية مشروعاً بقانون بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم القضاء يكرس بشكل فاضح هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وضمنته مواد تنسف القلة الباقية من الاستقلال الإداري للسلطة القضائية في قانون تنظيم القضاء الحالي وجعلت من وزير العدل المسيطر على مقاليد الأمور الإدارية والمالية وهمشت دور المجلس الأعلى للقضاء الممثل للسلطة القضائية، مؤكدين إن المتأمل لنصوص ذلك المشروع يصل إلى نتيجة مفادها أن السلطة التنفيذية لا تؤمن باستقلال السلطة القضائية وتعتبرها أحد المرافق الملحقة بها.
اللجنة التشريعية
رئيس اللجنة التشريعية والقانونية المعنية بدراسة القانون في صيغته النهائية قبل عرضه على المجلس مبارك الحريص في تصريحات سابقة قال : اللجنة التشريعية في طور دراسة القانون بحيث يكون قانوناً متكاملاً يعبر تعبيراً حقيقياً عن استقلالية السلطة القضائية وأن يكون نموذجا حيا لما هو موجود في الدول المتقدمة وليس على غرار بعض الدول التي يكون فيها القضاء شكلي.
وأضاف : إن اللجنة اتفقت على استدعاء جميع الجهات المعنية بالقانون، وعلى رأسها وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء والخبراء الدستوريين، بهدف الاستماع إلى آرائهم في الاقتراح والمشروع بقانون المقدمين بشأن استقلال القضاء، وعقب ذلك ستتخذ اللجنة القرار المناسب بشأنه.
تباين الآراء
وكيل اللجنة التشريعية والقانونية الأسبق النائب عبد الحميد دشتي: مشروع قانون استقلال القضاء لا يزال رهن تباين في وجهات النظر بشأن بعض مواده بين السلطتين التنفيذية والقضائية ومتى ما توافقا سنقوم في اللجنة التشريعية بدراسته وإعداد التقرير اللازم بشأنه حتى يتسنى لنا عرضه على المجلس ، املآ أن يكون ذلك في مقدمة جدول أعمال المجلس قريبا .
في نهاية دور الانعقاد السابق كنا بصدد انتظار تسليم نسخة للقانون متوافق عليها من كافة الأطراف المعنية لكن ذلك لم يحدث حتى الآن ولا يزال هناك اخذ وعطاء وتباين بين المستشارين في القضاء ومن ثم تباين مع الحكومة ولم يتم التوصل لصيغة نهائية، لافتا إلى انه فور وصول تلك الصيغة ستقوم اللجنة التشريعية بعمل دراسة مقارنة بين المشاريع المقدمة من نواب آخرين – وان احدهم – حيث قدمت قانوني مخاصمة القضاة واستقلال القضاء .
دشتى : قانون استقلال القضاء لا يمكن أن يمر من وجود فصل في مخاصمة القضاء ، مع ضرورة أن تمنح السلطة القضائية كامل الاستقلالية، وفى المقابل هناك أخطاء مهنية يجب تداركها ويمكن للمتضرر أن يخاصم القاضي كما هو معمول به فى معظم قوانين الدول المتحضرة التي لديها استقلال للقضاء .
التفتيش القضائي
عضو اللجنة التشريعية النائب د . عبد الرحمن الجيران : قانون استقلال القضاء من الأهمية بمكان أن يتم إقراره في اقرب وقت ممكن على أن يتم إقرار قانون التفتيش القضائي أيضا والذي بموجبه سيتم إخضاع القضاء لنوع من الرقابة خاصة للأحكام التي يتم نقضها بشكل مستمر.
المشروع بقانون بخصوص استقلال القضاء المقدم من الحكومة لم تناقشه اللجنة التشريعية، والمطلوب استطلاع آراء جميع الجهات المعنية والأطراف ذات الصلة بالقضية ، مع ضرورة مراعاة مراكزهم القانونية والأحكام المتعلقة بأدب القاضي في حال تبادل وجهات النظر .
الجيران طالب بإبعاد مختلف وسائل الإعلام عن القانون ، وأيضا إبعاد الحسابات السياسية والمصالح الآنية حتى نصل إلى الصواب وليس الانتصار لفئة من دون أخرى .
من المعروف انه لا سلطان على القاضي في أحكامه ولكن هناك إجراءات إدارية ومنها التفتيش القضائي وهو القانون الموجود الآن على طاولة اللجنة التشريعية واعتقد انه من المهم أن يتم إقراره بعد قانون استقلال القضاء .
وشدد على ضرورة الأخذ بآراء القضاة الرافضين للمميزات المالية ، لافتا الى انه ليس هناك اى نزاع في سبيل إقرار قانون استقلال القضاء ، مشيرا إلى أن الأصل هو تكامل العلاقة بين السلطات الثلاث للوصول الى حياة آمنة مستقرة للبشر .
وحول شرعنة قضية فصل السلطات الثلاث قال الجيران : السلطات الثلاث التي يتألف منها نظام الحكم في الدولة الحديثة ذكرها الله تعالى في كتابه قبل أن تعرف اى دولة مبدأ الفصل بين السلطات وذلك بعد الطغيان الكنسي في العصور الوسطى. قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ان اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} الحديد: 25.
فالسلطة الأولى هي التشريعية وهنا ذكرها الله تعالى بكلمة (الكتاب) فالتشريع لله وللرسول والسلطة القضائية رمز اليها ربنا تبارك وتعالى (بالميزان) كناية عن العدل والسلطة التنفيذية رمز اليها ربنا تبارك وتعالى (بالحديد) وهو رمز القوة في التنفيذ. هكذا اذن قام نظام الدولة في الإسلام قديماً، وحديثاً حيث برزت العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أنهما ليسا طرفين متنازعين أو متناقضين بل بينهما علاقة تكامل وانسجام وتحديد واضح للحقوق والواجبات والاختصاصات، وكان هذا هو أسلوب العمل في هذه المؤسسات في الدولة الإسلامية.
احترام الدستور
النائب الأسبق المحامي نواف الفزيع انه من دواعي الإضرار بالدستور أن تنادى السلطة التنفيذية باحترام نصوص الدستور بينما تنتهج نهجا مغايرا لذلك ، لافتا إلى أن استقلال القضاء ضمن ما نص عليه الدستور وكان يجب تفعيله وإقراره منذ سنوات عديدة لكنه كان كل ما تقدم احد النواب بمشروع كانت الحكومة تؤجله لأسباب واهية ولتباين بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حول مواد لا يمكن أن تقف حجر عثرة أمام إتمامه وخروجه إلى النور ، فتأخر إقراره حتى الآن .
الفزيع : القانون الآن يجد فرصة أفضل للإقرار في ظل وجود وزير الأوقاف وزير العدل يعقوب الصانع الذي يدفع في اتجاه إقراره وقد كان عضوا في اللجنة التشريعية فى المجلس المبطل وكان أيضا ممن يطالبن بإقراره لأن ذلك يعزز من دور الدستور في مفهوم الاستقلالية .
أولى بالسلطات أن تدعم بعضها بعضا خصوصا نحو استقلالية القضاء ، لافتا إلى انه من الضرورة الإنصات التام للسلطة القضائية لاسيما المجلس الأعلى للقضاء لان أهل مكة أدرى بشعابها ولابد تؤخذ ملاحظاتهم على محمل التنفيذ لأنهم اعلم من الجميع بما يخدم مرفق القضاء .