
محمد العبدالله العبدالجادر:
أواخر شهر أغسطس الماضي نشرت القبس دراسة رصينة بقلم أ.د. عبدالمالك التميمي عن ظاهرة الفساد وتاريخها، واشار الى حالة الكويت كدولة نفطية في خضم هذه الظاهرة، الدراسة الرصينة ـ وأشدد على رصانتها ـ أنها كتبت بلغة علمية، وفيها مصادر الدراسة، وعادة مثل هذه الدراسات مكانها في كتب علمية او سلسلة ابحاث في مجالات علمية محكمة يطلع عليها المتخصص، وأعتقد أن توقيت نشر الدراسة ظلمها كثيرا، ان الصيف والسفر حرما الكثيرين من متابعة مثل هذه الدراسات والمقالات.
يتحدث التميمي عن هذه الظاهرة من خلال متابعة التاريخ المعاصر للدولة الكويتية منذ نهضتها الى اليوم، أي فترة حقبة النفط، ويشير في المقدمة الى تعريف ظاهرة الفساد ويقارنها بأحداث عالمية، ثم يعرج للوطن العربي، وكيف أن احداث العالم العربي كشفت عن حاﻻت الفساد، وأن الكثير من وقائعها لم يظهر علانية والى السطح بعد.
يعود الباحث الى الكويت، ويشير الى حالات فساد بعينها في الكويت، مثل سرقة الناقلات وتدخل المال السياسي في الانتخابات، ثم قضية الايداعات المليونية، وأن الفساد تجاوز في حدوده المؤسسات المالية الى البلدية والشؤون والأوقاف، ليصل الى التعليم ومشكلات التسيب والغش والتزوير، وهي الخط الدفاعي الاول ضد الفساد ومظاهره، ومن دون إعادة النظر في الثقافة والتعليم فإن المؤسسات الكبرى، التي ينخرها الفساد، بدأت من صفقات الطبابة التجارية، والسياحية المسماة بالعلاج في الخارج، مرورا بأغذية اللحم الفاسد.
الدراسة مليئة بأرقام موثقة، وتضع يدها على مداخل اصلاح وضرورة وجود صحوة ضد الفساد تقتلعه من الجذور، وتقوم على نقد الواقع بموضوعية، وتقدم رؤى مستقبلية وتقدمية.
وهنا، ﻻ بد من نقاش أوسع لظاهرة الفساد، فالكويت كدولة وقعت اتفاقية اﻷمم المتحده لمكافحة الفساد عام 2003، وصادقت عليها، وهي اتفاقية شبيهة باتفاقيات حقوق الانسان، ولها مفوضية، وتتكون من 70 مادة شاملة، وهي حيز التنفيذ، نظرا لوجود تشريع «هيئة مكافحة الفساد»، التي بدأ العمل بها بعد صدور مرسومها في 2013، حيث ستكون هذه الهيئة تحت رقابة دولية وتصدر تقارير سنوية.
لذا وجب علينا كدولة اصلاح هياكلنا المالية، وبسط قرارات الاتفاقية الدولية، وتنفيذ التشريعات الغائبة التي تتطلب جهودا تشريعية، وكذلك جهودا من الجهاز التنفيذي والرقابة المالية، ممثلا بديوان المحاسبة والرقابة الشعبية، من خلال سلطة الاعلام والسلطة الرابعة ووسائل التواصل الاجتماعي، وتوعية المواطنين بحقوقهم والواجبات الملقاة على عاتقهم.
ان التصدي للفساد يتطلب ارادة سياسية واجتماعية، وان المكتسبات الدستورية، كالمجالس الرقابية المنتخبة، يجب أن تجدد نفسها لبث الامل لدى المواطنين بوجود اصلاح واعمال سيادة القانون، مما يتطلب الحذر من واقع سقطت به دول بعيدة وقريبة، وانكوت بنار الفساد، فتهاوت المؤسسات ثم الدولة، وتجرع الجميع أدرانها.
ان فرصة وجود مؤسسات دولية وخبرات ووجود مؤسسات لمكافحة الفساد هي واقع يعيشه العالم، وليس كيانات صورية هدفها تحسين الصورة.. هكذا نفهم مكافحة الفساد، وشكرا للدكتور التميمي، وشكرا لـ القبس لطرح مثل هذه المواضيع الحساسة.



