آراءصورة و خبر

الإنسان .. ابن من ؟

بقلم د. محمد عبد العزيز

جدلية الكبار والصغار ستبقى إلى نهاية الحياة ، فالعاقل من أدركها وفهمها ، ابن من أنت  ؟ الصغير ابن الكبير وكلاهما يعاني ويشعر بانتقاص حقه من الآخر فتعالوا نتعرف عبر هذا المقال على جزء من هذه الجدلية ومن الجاني فيها الكبير أم الصغير ونتعرف على الإنسان .. ابن من ؟ هل هو ابن أبيه أو ابن أمه أو ابن بيئته أو هو ابن كل هؤلاء ؟

الكبير يشكو ويبكي رغم أنه جاني ، فلولا غرسه السيئ ما كان هذا الحصاد المر، هو لم يعطي الصغار حقوقهم ، لم يوفر لهم بيئة نجعلهم يكبرون متصالحون مع أنفسهم أسوياء ، أضاع  عليهم حقوقهم حينما لم يكن لهم في الصغر قدوة حسنة ، فكيف للكبير اليوم أن  يهاجم الصغار ويشكو من عدم احترامهم وتقديرهم له  وعدم رعايتهم له ، الكبير من أخطأ .

والأعجب شكوى الصغير انتقاص حقه في رعاية الكبير له وتفقد أحواله والحنو عليه  ومساندته ، فلم يسأل نفسه هلا قمت أنت بدورك ووقرت هذا الكبير واحترمته وهو الأكثر منك حاجة للسؤال والاهتمام والاحترام بعد أن تقدم به العمر ، وبات في الثلث الأخير من عمره ، فهلا كنت مهذبًا مع كبارك قبل أن تطلب منهم أن يكونوا لك رعاة يحنون عليك ويتفقدون أحوالك ؟ طرفا الجدلية  فقط يطالبون بحقوقهم من دون أن يسألوا أنفسهم هل أدينا واجبنا أولًا كي نغضب لانتقاص حقنا ، فالعاقل يؤدي واجبه أولاً ثم يسأل – بأدب – عن حقه في رعاية الطرف الآخر له ، العاقل من الطرفين من ينصت  ويسامح ويعاتب – إن لزم الأمر –  بلطف ، وقتها سينل حقه مهما طال الزمن أو من الله في الآخرة.

ستظل هذه الجدلية قائمة لكن العاقل من الطرفين من فهمها وتعامل معها على وضعها فالكبير يلملم ويقدم الحكمة في الأفعال قبل الأقوال ويتسامح ويصدق في القول ليكون قدوة للصغير كما عليه أن يوقف تمدد الأزمات ولا يسمح للصغار أن يطيلوا وقتها  ، فدور الكبير  أن يقتل الأزمة في مهدها ويطفئ النيران سريعاً مهما كلفه ذلك ، فأعظم الثواب اصلاح ذات البين وما أسوأ من فساد ذات البين ،  كما على الصغير أيضًا أن يحترم ويوقر كباره ( أمه وعائلتها جميعًا قريب وبعيد – أبيه  وعائلته جميعًا قريب وبعيد ، فكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يحب ويحترم أهل أبيه  من بنى هاشم وأهل أمه من بني زهرة ، فقد تباهى بالصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص الزهري ، حينما قدم إليه بينما كان النبي جالسًا بين أصحابه ؛ فقال – صلّ الله عليه وسلم – “هذا خالي فليرني امرؤ منكم خاله” ، وقد صعد عليه الصلاة والسلام المنبر ذات مرة ثم قال : ” أيها الناس: أيُّ أهل الأرض أكرم على الله؟: قالوا: أنت، قال: فإن عمي العباس مني وأنا منه لا تؤذوا العباس فتؤذوني ” ، كما على الصغار  أن يتجنبوا العنصرية  في التعامل مع العم والخال – فما أبغضها  – فلا يقدم عمه على خاله ولا العكس ، لكن رغم تمسك النبي  وحثه لنا على احترام الخال والعم نجد بيننا كثيرون من الكبار يعلمون أبنائهم ثقافة هدامة لا أصل لها في ديننا فيرددون عليهم أن الخال ليس والدًا والعم ليس سندًا وكلام يحث على الفرقة بين ذات البين ، وليعلم الصغار أن النفس يخرج ربما لا يعود وأن الكبار – في الغالب – سيرحلون قبلهم  فعليهم النظر لهذا اليوم وقت لا ينفع ندم.

والسؤال هو الانسان ابن مين ؟ الإنسان ليس ابن أبيه وأمه فحسب ، بل هو ابن بيئته أيضًا ، شخصية الإنسان عبارة عن  طيف من الصفات الواردة عن جينات أمه وعائلتها وجينات أبوه وعائلته  ، إضافة إلى الصفات المكتسبة من بيئته التي تربى فيها بين أصحاب وأهل وجيران ومشاهداته وتأثيرات مختلفة حوله ، والناس أجناس متباينة ومعادن مختلفة فيشب الفتى وبه من صفات أمه وخاله وجده لأمه بضع ومن صفات أبوه وعمه وجده لأبيه بضع آخر  ، والنسب قد تزيد هنا وتنقص هناك والعكس ، والبعض طفرات فلا يأخذ من صفات عم ولا خال ولا أب ولا أم إلا ما قل ، ويكون فقط ابن بيئته التي يشب فيها فيتأثر بها ، فلا نعجب إن كان الأب طيبًا والابن شريرًا أو العكس ، الأب عالمًا والابن فاسدًا أو العكس ، خال من الطيبين وابن أخت من الأشرار ، شاب ناجح بينما عمه وأبيه لم يتذوق طعم النجاح ، أب مصلي وابن لا يعرف المساجد ، أم تقية وابن عاق ، كثيرة هي تلك النماذج التي تملئ بيوتنا وربما أحيانا ساحات المحاكم من كبار وصغار لم يفهما هذه الجدلية ولم يتعاملوا على أساسها ، فليس معنى أنك انسان أصيل أن يكون أبيك وجدك شيوخ الأصالة ،  وليس معنى انك لست أصيلًا اتهام لأبيك وعائلتك بدونية الأصل ، فلا تزر وازرة وزر آخري ، وأصل الإنسان أفعاله هي كظلك مستحيل أبدً تضلك واللي عاش للخير والخير في قلبه هو اللي عاش ،  وليس الفتى من قال هذا أبي كان كذا وكذا ، لكن الفتى من قال هذا فعلي أنا الذي ينم عن أصلى أنا ، وكما قال الشاعر : ” لَعَمْرُكَ ما الإنسانُ إلا بدِينهِ فلا تَتْرُكِ التقوى اتِّكالاً على النسب فقد رَفَعَ الإسلام سلمانَ فارسٍ وقد وَضَعَ الشركُ الشَّقِيَّ أبا لهب ”

على كل انسان أن يبني لنفسه أصلاً بجميل أفعاله ، عليه أن يبنى حسن سيرة له بالدنيا تنفعه في الآخرة  فأفعالك الطيبة لا أقوالك فقط هي طريقك إلى قلوب العبد ثم إلى الجنة ، فقد ورد أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال ” يوشك ان تعرفوا أهل الجنة من أهل النار قالوا بم ذلك يا رسول الله  قال: ” بالثناء الحسن والثناء السيئ ، أنتم شهداء الله بعضكم على بعض ” فيجب على كل انسان الحرص على تحسين خلقه ووده مع الناس ، ويدرك أن العقول تتفاوت وكل البشر خطاؤون ، فاغفر وتسامح كي تجد المثل حينما تخطئ .

كن محسنًا وإن لم تلق إحسانا، وسل الله دومًا أن يجعلك من المحسنين المنتصرين على أنفسهم لأن النفس أمارة بالسوء ، والمواقف تكشف معادن الناس فقد يكون الكبير ذهباً والصغير ماسًا أو الكبير غير نفيس بينما صغيره نفيس ، لكن في كل الأحوال لا يكون الكبير كبيراً إلا إذا تحلى بالحكمة وقوة الخلق والتسامح وبعد النظر وأن يلملم ولا يفرق وأن يربي الصغار على الصدق والأمانة بشرط أن يكون قدوة  لهم في ذلك وليس بالنصح والكلام فقط ، على الكبير أن يلملم ولا يحرق الصغار بنيرانه ، كما على الصغير أن يتحلى باحترام الكبير مهما حدث ، العاقل من يوقف تمدد السنة اللهب حتى لا يحرق أوراق الورد التي تتألم وتصرخ لتقول للجاني اذا كنت خاصمت البستاني ايه ذنب الورد، يأيها الكبار كونوا كبارًأ … تعقلوا ولا تحرقوا أغصان الزيتون .

اللهم اغننا بالعلم ، وزيّنَا بالحلم ، وأكرمنا بالتقوى ، وجمِّلنا بالعافية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى