
د. وائل الحساوي :
من اصعب الامور ان تضع الحكومة سلّما للرواتب والحوافز ثم تتنازل عنه بسبب بعض الظروف، لكن الاصعب هو ان تتمسك الحكومة بتعهداتها لأطراف في ظل ظروف سابقة، لا سيما اذا حدثت تلك التعهدات في غفلة من الناس وكانت مثار تعجب واستغراب من الجميع!
ان اسعار النفط العالية سابقا وتساندها سطوة المعارضة وتخويفها لكل من يخالف اوامرها، ساهما في قيام الحكومة بتقديم التزاماتها القوية بزيادة رواتب ومكافآت معظم قطاعات الموظفين والعاملين في القطاع الحكومي ومن دون دراسة او تخطيط، وكان للقطاع النفطي اوفر النصيب بحجة ان هذا القطاع لا تصرف عليه الحكومة وانما هو بجهد فردي للعاملين فيه!
وقد شاهدنا مبالغات مذهلة في الانفاق على هذا القطاع ومنها ما تمت تسميته بمكافأة النجاح التي تبلغ اربعة اضعاف الراتب سنويا، اضافة الى مكافآت نهاية الخدمة التي تحظى بعضها بمبلغ نصف المليون دينار، عدا مزايا مادية كثيرة!
وليت تلك المزايا النفطية يقابلها ما يعادلها من مزايا لبقية القطاعات الحكومية ولكن الواقع هو ان هنالك الكثير من القطاعات التي لم تصلها اي زيادة منذ اعوام كثيرة بينما يقوم العاملون فيها بجهود لا تقل عن جهود القطاع النفطي ان لم تتخطاه، فكان امرا طبيعيا ان يطالب الآخرون بإنصافهم وزيادة رواتبهم!
لم تجد الحكومة حلا لتلك المشكلة إلا بالتحرك لإقرار البديل الاستراتيجي الذي يسعى لتعويض من لم يحالفهم الحظ بالزيادات الكبيرة من خلال رفع رواتبهم، على الاقل للوصول الى نسبة متقاربة لنظرائهم في الوظائف المميزة الاخرى، ولكن حتى تطبيق ذلك البديل الاستراتيجي لو تم كما اريد له، فإن هنالك مطبات صعبة في الطريق لا يمكن عبورها دون تمهيد الطريق، ومنها رواتب ومكافآت القطاع النفطي، وقد كان المخططون في الكويت حكماء عندما طالبوا بتطبيق تلك المعايير الجديدة للبديل الاستراتيجي على الدفعات الجديدة التي سيتم قبولها في القطاع النفطي، وهو ما يجعل «خيانة العهد» التي تتكلم عنه نقابات البترول غير قائمة!
اذاً فإن من حق الدولة ان تستعيد هيمنتها على جميع قطاعاتها وان تصحح اخطاءها السابقة، وهو ما يعني ان المعارضة الحالية لإقرار البديل الاستراتيجي ما هي الا تعنت من قبل النقابات ومحاولة لفرض الوصاية وهو ما لا يمكن السماح به تحت اي ظرف من الظروف!
أزمة المراقبين الجويين
في الثمانينيات من القرن الماضي قررت نقابة المراقبين الجويين في الولايات المتحدة الأميركية الاضراب عن العمل وهو ما يعطل جميع المطارات وبذلك يشل الحياة كلها في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من الانذارات الحكومية المتكررة إلا ان النقابة نفذت اضرابها، وقبل الاضراب بيوم اصدر الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغن قرارا بإقالة جميع المراقبين الجويين في اميركا وعددهم 23 الف مراقب وكلف الجيش بتولي ادارة الرقابة الجوية؟
ورفضت الحكومة الأميركية إعادة المراقبين الى عملهم وتم تعيين مراقبين جدد بدلا عنهم، على الرغم من اعتذارهم وتعهدهم بعدم الاضراب.
ان المرافق الحيوية لأي بلد يجب عدم تركها بأيدي العاملين ليتولوها!