
هنالك نقطة مهمة لابد من نقاشها في حوارنا حول موضوع «الكويت الى اين ؟» والذي ذكرنا فيه ما تناوله العم احمد السعدون في ندوته عن الاوضاع المالية للبلد، وهذه النقطة تتمثل في ان اسباب الاختلال الواضحة في الوضع المالي في الكويت لايمكن تحميل الحكومة وحدها مسؤوليته، بل انه مسؤولية مشتركة بين المجلس والحكومة.
فالمجلس شكل ضغطا كبيراً على الحكومة لاسيما في الفترة ما بين عامي 2005 و2012 لزيادة الميزانيات بدرجة غير مسبوقة، وتبذير اموال الشعب الكويتي دون حساب، حيث تضاعفت ميزانية الدولة حوالي 6.8 مرة منذ عام 2000، وهذا الرقم يسمى في عالم الاقتصاد بالانتحار، فسكان الكويت يزدادون في المعدل الطبيعي حوالي 3 في المئة، وبالطبع فان زيادة غير الكويتيين بهذه الدرجة غير المسبوقة هي جزء من التخبط الحكومي الشعبي!!
دعونا ننظر إلى بعض جوانب اللاعقلانية في الانفاق خلال تلك الفترة:
أولا: التحركات النقابية والاضرابات المتواصلة من اجل الضغط على الحكومة لزيادة الرواتب والمكافآت، وهذه ادت إلى رضوخ الحكومة وزيادتها للرواتب بدرجة غير مسبوقة، إلى أن وصلت إلى تلك الارقام الغريبة التي ذكرها السعدون لاسيما في القطاع النفطي!!
وبالطبع فان نواب المجلس كانوا وراء تلك الزيادات ووقفوا مع جميع المضربين من اجل تحقيق مطالبهم.
ثانيا: كل الخطط الحكومية في سبيل خصخصة القطاع العام تراجعت، فمن الذي يبيع عمره للتحول إلى القطاع الخاص وهو يرى الاموال تنساب من حوله زلالا في الحكومة!!
بل إن حجم تدخل النواب في التوظيف الحكومي سجل مبلغا خياليا، حيث زادت اعداد الموظفين في الوظيفة الواحدة على 70 دون
أن يكون لهم أي عمل أو حتى مكاتب يجلسون عليها !!
ثالثا: لاحظنا ان الكثير من المشاريع المليارية – التي يحظى بها بعض الكبار كالعادة – قد تضاعفت وازدادت الاوامر التغييرية عليها، ثم لم يتم تنفيذ الكثير منها دون محاسبة!!
لقد حاولت تفسير المنطق وراء تحديد مناقصة مبنى الركاب في المطار الجديد بمليار و300 مليون دينار، ثم ازدادت تلك التكلفة بحوالي 300 مليون دينار بعد أن تم تقليل الشروط والمواصفات المطلوبة، نحن نتكلم عن مبان للركاب فقط، ونقارنها بالمطارات في الدول المجاورة!!
رابعا: كثير من القوانين التي اقرها المجلس كانت عبارة عن مزايدات واضحة، فعندما طالب المجلس بزيادة 50 دينارا لموظفي الحكومة، جاءت الحكومة لترفعها إلى 120 دينارا، فما كان من المجلس إلا أن اقر الـ 50 + 120 لينتصر على الحكومة!!
اما قانون الزيادات الكبيرة للمدرسين فقد تحدى المجلس الحكومة واقرها لكافة الشرائح – حتى من لا يستحق تلك الزيادة – مع أن تلك الامور ليست من شأن المجلس!!
حتى قانون التأمين الصحي للمتقاعدين هو عبارة عن ازدواجية لا مبرر لها بل المزيد من الانفاق، وكذلك مكافأة نهاية الخدمة للجميع التي ترهق الميزانية اضعافا مضاعفة!!
خامسا: اما صفقة «الداو كيميكال» التي تدخل المجلس لالغائها وكبّد البلد اكثر من ملياري دينار غرامات بسببها فهي جريمة بحق الكويت، ولو تم امضاؤها دون تدخل المجلس لاستفدنا كثيرا من تلك الصفقة مهما كان بها من عيوب، ولاشك أن التجمع الشعبي بقيادة السعدون كان وراء الغائها، وكذلك صفقة الـ 18 طائرة التي تعاقدت الخطوط الكويتية على شرائها لتحديث اسطولها المتهاوي، فقد تدخل نواب التجمع الشعبي لالغائها، وجلسنا بعدها سنوات عدة نعاني من نقص الطائرات وتعطلها.
ومازال نواب مجلس 2012 يتسابقون على تشريع قوانين تزيد من الهدر في الميزانية وتبديد الاموال مثل اقرار اسقاط فوائد القروض على بعض المواطنين وهكذا!!
هنالك أمثلة كثيرة على ما ذكرته لا مجال لذكرها، وجميعنا ساهمنا في قتل القتيل، فدعونا نتوقف عن المزايدة، وحبذا لو ابتعد كل من كان له دور في المأساة عن اللطم والنحيب، وسلم الامور إلى اهل الاخلاص والخبرة لانقاذ ما يمكن انقاذه.