موضى الحمود:
دأبت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في كل عام على الاحتفاء بالعلم والبحث العلمي والباحثين المتميزين في العالم العربي قاطبة ومن أبناء الكويت في حفل أنيق استمتعنا بمتابعته وحظي برعاية كريمة من أمير البلاد. نال شرف جائزة الكويت في هذا العام اثنان من ثلاثة من الباحثين العرب، وقبلهم آخرون تميزوا في حقول العلم والبحث والمعرفة، وما يجمعهم أو معظمهم على الأقل هو أن تجليهم وإبداعهم وتميزهم كانت خارج أوطانهم، فمنهم من عاش – ولا يزال – في أميركا أو أوروبا أو حتى في أميركا الجنوبية (البرازيل، كالباحث الفائز في مجال علوم البيئة)، قائمة طويلة من العرب المتميزين، يتقدمهم العالم د. احمد زويل الحاصل على جائزة نوبل، د. مجدي يعقوب وغيرهما الكثيرون ممن وجدوا أنفسهم وتبلورت قدراتهم في أجواء الغرب «الكافر»! ولمع نجمهم في سماء أوطان العالم عدا أوطانهم العربية.. وكالعادة نتساءل: لماذا؟
وتدور رؤوسنا في حيرة، كأننا لا نعلم ما هي الأسباب؟ فنحن ننفق في أوطاننا على البحث العلمي كما ينفقون، ونملك الجامعات والمعاهد كما يملكون.. ونقيم المعامل والمختبرات كما يقيمون.. إذاً، أين يكمن الخلل؟ هل هو عدم الاستقرار السياسي؟ ماذا إذاً عن العلماء في إسرائيل ممن يعيشون في المنطقة نفسها وتحيط بهم ظروف عدم الاستقرار والعداء من جيرانهم، ولكنهم تفوّقوا في الحصول على جوائز نوبل، مقارنة بأقرانهم في كثير من الدول المتقدمة والمستقرة؟ ماذا إذاً هل هو الشح في التحفيز والتوجيه لمن يتجه إلى البحث في حقول المعرفة والعلم…؟ هل هو الجو الثقافي والفكري السائد الذي سيطر ولسنوات طويلة – وما زال – على أوطاننا وقيّد تقدم حياتنا الاجتماعية والعلمية والثقافية حتى عشنا في جو خانق للتفكير الحر والإبداع، مُرْهِب لكل من يشط عقله في مجالات البحث العلمي..؟
وللأسف، أخضع البحث العلمي كما أُخْضِعَت جوانب حياتنا كلها للمسموح والممنوع والحلال والحرام… حتى كنا نسمع من بعض المتشددين أنه لا علم إلاّ العلم الشرعي، ولا أجر لمجتهد إلاّ من اجتهد في علوم الدين.. وتوسعت دولنا في رسم حواجز وخطوط حادة لتأطير الفكر والمعرفة، ساندها تخوف وتردد من الحكومات في كسر هذه الحواجز لعدم الرغبة ولتفادي الاحتكاك مع قوى التشدد أو في اتفاق ضمني معها وغير مكتوب لترويض الشعوب العربية وحصرها في دائرة مطالب الحياة الأساسية ومطحنتها السياسية اليومية خارج نطاق العلم والمعرفة والبحث.. حتى صحونا على تقدم وتميز كثير من أبنائنا في مجال القتل والتدمير لكل ما هو إنساني أو حضاري..
بدأنا نلطم ونحاول الآن إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. الدرب ما زال طويلاً، والمهمة صعبة، والمطلوب جهد خارق لنعود بمجتمعاتنا الى الدرب القويم، لننعم برؤية أبنائنا يقفون ليتسلموا جوائزنا العربية والجوائز العالمية لمنجزاتهم الإنسانية العلمية..
فشكراً لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي التي أشعلت شمعة في هذا الطريق المعتم، وألف «مبروك» للفائزين عرباً وكويتيين.. والله الموفِّق
المصدر: القبس.