
بقلم: صالح الشايجي :

استقر في أذهاننا أن الأقدمين والسابقين علينا بعشرات القرون، هم الأكثر فهما ومعرفة منا، وكدنا نرتهن إلى نظرية أنه ليس بإمكان أحد منا أن يلحق بالسابقين لا علما ولا فهما.
وهذه نظرة دونيّة تحقّر من شأن اللاحقين والمعاصرين وتدعوهم إلى الكفّ عن إعمال الفكر والاجتهاد والدرس والاستنباط.
وهذا ليس عدلا ولا هو واقعيّ أيضا ولا يمثل الحقيقة بل إن العكس هو الصحيح تماما.
فعلماء القرون المنصرمة ومفكروها ومجتهدوها، اجتهدوا وفكروا وكتبوا بما توفر لهم من وسائل في أزمنتهم وهي وسائل قليلة ومتواضعة، غير الوسائل التي توفرت لمجتهدي العصور اللاحقة وبالذات في القرنين العشرين والحادي والعشرين والقرون اللاحقة.
ثم إنّ التقادم الزمني يوفر فرصا لمعرفة الأخبار وكشف حقائق لم يقف عليها العلماء السابقون. والأزمنة معلّمة تأتي بجديد العلم والمعرفة وهو ما فات من قضى ومات قبلها.
لذلك علينا فهم هذه الحقيقة والتعامل معها ووفقها وأن نصرف النظر وألّا نلتفت إلى الفكرة السابقة المقيّدة لنا والتي تجعل العلم كله لدى الأقدمين وتجرّد المحدثين من القدرة على الاجتهاد والاستنباط والإتيان بنظريات جديدة تستند إلى الواقع والحقيقة، حتى لو تصادمت أو تناقضت مع اجتهاد الأسبقين واستنتاجاتهم.
لابد من كسر هذه القيود والأغلال المضروبة على العقل العربي المجدّد والمجتهد، حتى يأتي بالجديد النافع والمغير لما كان سائدا.
لا قدسية لمجتهد اجتهد لعصره ولأهل عصره، وكفاه ذلك فخرا، ولكن لا نبقى نحن أبناء هذا العصر أسرى اجتهاده ونظرياته التي ربما لو كان حيا بيننا لأنكرها أو غيرها استجابة لثقافة عصرنا ومعطياته.
وكيف تتقدم الأمم إذا ما كانت تسبح في فضاء الأمس وتخشى اقتحام فضاء اليوم؟! لماذا المدارس والمعاهد والجامعات ووسائل التكنولوجيا الحديثة، ما دمنا لا نعترف بثمارها أو أننا نمنعها أن تُثمر؟!
لماذا نعلم أبناءنا ما دمنا نحبسهم اذا ما انتفعوا بعلمهم وحاولوا أن ينفعونا به!
أعلم أن الكثيرين ممن سيقرأون هذا الكلام سيمتعضون منه ويرفضونه ويخطّئونه ويرجمونه بلعنات ثقيلات، ولكن هذا لن يثنيني عن قوله. فمن أجدر بالدفاع ومستحقّ له مثل الحق؟