صقر يكتب : نظرة الإسلام للجمال

بقلم/ محمود صقر

تستطيع أن تقول إن نظرة الإسلام للكون كله تقوم على عنصرين أساسين : النفع ، والجمال
إذا تتبعت آيات القرآن فستجد العنصرين متلازمين
وكأن القرآن يلفت نظر المسلم إلى البعد الروحي والجمالي للكون بجوار الجانب النفعي في آن معاً
فالأنعام ليست للركوب والانتقال فحسب ، ولكن في النظر إليها متعة وجمال وراحة:
{ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ . وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ . وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}
والسماء ليست سقفاً للكون فحسب ، بل هي زينة وجمال : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ } { أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ }
والبحر ليس للانتفاع فحسب ، بل لاستخراج الحلية :{ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} …
والثمر ليس للأكل فحسب ، بل للنظر والمتعة : {انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِه }. …
فليس الكون وما حوي في نظر الإسلام مجرد تلبية الضرورات النفعية ، بل أيضاً تلبية حاسة الجمال ووجدان الفرح والشعور الإنساني
ونظرة الإسلام للجمال لا تقف عند حد المنظور والمسموع والمحسوس ، بل تتعداها إلي الخُلق والسلوك:
فالمتأمل في خطاب القرآن الكريم يلاحظ أنه يصف العديد من الأخلاقيات بوصف الجمال ، مثل : ” الصبر الجميل ” و ” الصفح الجميل ” و ” الهجر الجميل ” و ” السراح الجميل “
وكان من دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم ) : ” اللهم جملني بالتقوى ، وزيني بالحلم”.
ويوجه السلوك الإنساني وفق الذوق الجمالي: “وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ.
و تبسمك في وجه أخيك صدقة
ولأن أداة الوصول لأسرار الجمال هي يقظة الروح والحواس ، لذلك جاءت آيات القرآن تدفع الإنسان دفعاً لإعمال كل ملكاته للتفكر والنظر والتدبر في آيات الكون ، وتستثمر كل مناسبة لدعوة الإنسان لاستعمال حواسه الإدراكية فيها
وعليه فإن نظرة الإسلام للجمال تتغلغل في كل دقائق حياتنا فيما تقع عليه العين أو تسمعه الأذن أو تشمه الأنف أو تلمسه الحواس ، وكذلك في كل خلق إنساني نبيل يتمثل في حسن المعاملة ، وفي كل سلوك إنساني يتعود على الإحسان في كل شئ من أعماله اليومية
ومن تمام تبيان خصوصية نظرة الإسلام للجمال نؤكد علي أن نظرة الإسلام للجمال لا تنفصل أبداً عن الأخلاق :
فالقيمة الجمالية تنضبط بالقيمة الخلقية ، والقيمة الخلقية تتزين بالقيمة الجمالية
نقول هذا ونحن على علم كامل بأن فلسفة الجمال بالمنظور الغربي ، تجعل منه قيمة قائمة بذاتها لا تقبل توجيه أو هيمنة القيمة الأخلاقية ، بل إن القيمة الجمالية في المفهوم الغربي قد تفقد قيمتها ومعناها إذا هيمنت عليها القيمة الأخلاقية
وهذا أيضاً يمثل نقطة نزاع جوهرية في حرية الفن ، بين من يتبنى فلسفة الجمال بالمنظور الإسلامي ، ومن يتبناها بالمفهوم الغربي
وختاماً: نرى أن حركة أمتنا نحو النهضة المنشودة لن تؤتي ثمارها بغير الاهتمام بهذا الجانب الجمالي المنضبط بالخلق والمنعكس علي السلوك
لأن المجتمع الذي يعتاد على الإحساس بالجمال سيتولد عنده نزوعاً إلي الخير والإحسان في كل أوجه نشاطه وسلوكه