Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
آراءمحلي

الرشيدي:الجزار vs الصحافي

بقلم: ذعار الرشيدي:

ذعار الرشيدي
ذعار الرشيدي

في الخمسين من عمره عمل في صحيفة ناطقة بالعربية في بلده لأكثر من 10 سنوات، تخصص في التحقيقات كما ابلغني، الآن يعمل جزارا في محل في الكويت منذ اكثر من 12 عاما، لم أشأ ان ادخل معه في تفاصيل التحولات الجذرية التي مر بها في حياته والتي معها او بسببها انتقل من بلاط صاحبة الجلالة الى «السلخانة»، وتحول من حامل للقلم يبيع الاخبار وينقل المعلومات الى حامل للساطور يبيع اللسنات والنخاعات والكراعين، غير أنني سألته: «كيف تحولت من صحافي خريج إعلام متخصص الى جزار؟» فأجاب بإجابة تختصر واقعنا العربي من المحيط الى الخليط: «ان أملأ بطون الناس بما ينفعهم خير من ان أملأ عقول الناس بما يضرهم من اخبار مبتورة ومعلومات مغلوطة».

بالنسبة لي إجابته فلسفية جدا، بل مثالية جدا، ولا أعتقد أنها السر الحقيقي وراء تحوله، وإن كنت قد قبلت بها، ولكنني حسبتها ماديا، فالجزار في الكويت بل وفي أي بلد عربي يكسب أضعاف أضعاف ما يكسبه الصحافي، بل يكسب أضعاف ما يكسبه المؤلفون والروائيون، لذا أعتقد أن سبب تحوله مادي بحت، وهذا حقه.

ولكن أين المشكلة هنا؟ في الحقيقة لا مشكلة، فهو رجل قرر أن يتحول إلى مجال أفضل ماديا، ومن يراقبه هما جهتان فقط البلدية والتجارة لا أكثر، أما الصحافي فتلاحقه أجهزة الدولة كلها، وأنا أعني ذلك حرفيا، لا أعني بالضرورة ملاحقة أمنية، بل ملاحقة رصد، وأحيانا تكون هذه الملاحقة أشد وطأة من الملاحقة الأمنية، ذلك عدا من يصنفك بمزاجه سواء من السياسيين أو المتابعين ويصنفونك ويؤولون حديثك بطريقة «توديك وراء الشمس».

الأهم من هذا كله أنه وفي دولة كالكويت لا يوجد أدنى اهتمام بالصحافي الكويتي، أعني لا من حيث الدعم ولا من حيث التسهيلات بل إن حتى القوانين الأخيرة أصبحت تضيق عليه خاصة في الحصول على المعلومات، فعلى سبيل المثال لا الحصر تنص مادة من قانون النشر 2006 على أنه «لا يحق نقل أي معلومات عن أي جهة رسمية ما لم يتم الحصول على إذن من تلك الجهة».

الجزار أقصى ما يمكن أن يناله من عقوبة إغلاق محله لأسبوع وتغريمه 500 دينار كحد أقصى حتى ولو كان يبيع لحم «حمير» أما الصحافي فالغرامات تصل ضده إلى 10 آلاف دينار رغم أنه يبيع «الحقيقة» غالبا.

في النهاية أن تعمل «قصابا» في بلد عربي أفضل 100 مرة من أن تعمل صحافيا، وحالة واحدة فقط يمكن أن يتفوق بها الصحافي على الجزار هو أن.. «يبيع قلمه»!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى