بعد الثورات العربية وما تبعها من زلازل كارثية بكل المقاييس ظهرت بدعة يتداولها العامة بشكل أصبحت معه وكأنها الحقيقة المطلقة، رغم انها أبعد ما تكون عن الحقيقة، فقد بدأ الناس ينادون «لتسقط الحريات اذا كانت ستضيع الأمن»، حتى ان تلك الجملة أصبحت جزءا من التفكير الجمعي في كل الدول العربية وكأنهم يقولون وبشكل غير مباشر «نحن شعوب لا يصلح لها الا الديكتاتوريات».
هذا التفكير الجمعي فيما يتعلق بالحريات والأمن اصبح شبه مسيطر على عقليات العرب، بل وتجاوز الامر الى إلحاق هذا التفكير بموجة من الدعوات وطلب الرحمة لأرواح زعماء ديكتاتوريين.
ولن استغرب أبدا اذا وجدت خطيب الجمعة في المسجد القريب من منزلي يدعو بالرحمة والغفران لزعماء أهلكوا الحرث والنسل وقتلوا الآلاف من أبناء شعوبهم ونكلوا بهم، بل لن أستغرب اذا ما رفعهم الى درجة الشهداء.
هذا التفكير الجمعي الرجعي هو جزء من العقلية العربية التي تمجد أفعال الحجاج بن يوسف الثقفي وتراه أنموذجا للديكتاتور العادل.
وهنا لا أريد ان استشهد بمقولة الرئيس الأميركي بينجامين فرانكلين «من يرفض الحرية مقابل الأمن لا يستحق الاثنين»، لأن ذلك سيقود الى استنتاج مفاده ان الشعوب العربية بتفكيرها الجمعي هذا لا تستحق الحرية ولا الأمن على حد سواء.
واذا ما أراد احد ان يقنعك بأن الأمن مقدم على الحرية رمى بوجهك هذا السؤال «وماذا استفادت الشعوب العربية من ثوراتها؟!».
والإجابة ببساطة هو ان الظاهر سياسيا وبعد نحو ٥ سنوات من اندلاع ما سمي بثورات الربيع العربي ان ما حدث لم تكن ثورات، فالثورة بالمفهوم السياسي هي تنحية الطبقة السياسية الحاكمة بطبقة سياسية جديدة تحمل برنامجا سياسيا واقتصاديا جديدا ومختلفا، ولكن ما حصل في الدول العربية هو تنحية الطبقة السياسية الحاكمة دون وجود بديل سياسي، فتحولت الثورات خلال اقل من عام الى باب للصراعات السياسية او المذهبية أو حتى العرقية لذا تحولت الثورة في ليببا وسورية مثلا الى صراع مسلح..
لذا يسقط سؤال «وماذا استفادت الشعوب العربية من ثوراتها؟».
أما السؤال الأهم: متى يتخلص العرب من عقلية تؤمن بأن الامن افضل من الحرية؟!