بقلم: ذعار الرشيدي:
من المرعب جدا ان تستيقظ من نومك وبينما انت تستعد للنهوض من فراشك تجد ان يدك اليسرى قد تحولت الى مجرد قطعة خشبية جامدة ملصقة في جسدك.
هذا ما حصل لي قبل نحو ثلاثة أشهر، وكنت قبلها قد أجريت عمليتي ديسك بعد ان أقعدتني الآلام عن السير..
بعد العمليتين تحسنت حالتي جزئيا (وكانتا عمليتين بسيطتين اذا ما قارنتاهما بعمليات العمود الفقري) وكنت استعد للعودة الى حياتي الطبيعية، عندما استيقظت لأجد انني فقدت القدرة على تحريك يدي اليسرى تماما..
***
وظللت أسير مراجعات المستشفيات لثلاثة أشهر، حتى قرر الأطباء المعالجون إرسالي للعلاج في الخارج، خاصة أنني وقتها أسير بعكازة، رغم انه من المفترض ان أسير بعكازتين إلا ان يدي اليسرى كانت قد قررت ألا تشاركني حمل العكازتين، فاكتفيت بعكازة واحدة مجبرا لا بطل.
أعلم ان الامر طبيا يفسر ما حصل ليدي، التي تعود لها الحركة بمزاجها وتذهب بمزاجها، وكأنها إقليم قرر ان ينفصل عن دولة جسدي..
ولكن ما زادني رعبا في المسألة هو تفسيرات أطباء الديوانية وبعض الأصدقاء لما حصل لي، وبالمناسبة (علاقتهم بالطب تماما كعلاقة اللاعب ميسي بشعر القلطة) فأحدهم يجزم بأن الامر سحر وآخر يراها عينا «ما صليت على النبي»، وكلاهما اتفقا على ذهابي إلى معالجين بالرقية وانه لا أميركا (التي أرسلت للعلاج بالخارج إليها) ولا غيرها سيعيد ليدي حركتها، وبدأ الصديقان يرويان قصصا لمسحورين ومعيونين (مصابون بالعين)، رغم ان تفسير حالتي مسجل في ملفي الطبي وواضح في الأشعة المغناطيسية، ان القصة عصب أتلفه الانزلاق الغضروفي، وبحاجة الى علاج ليتوقف عن الضغط على أعصاب اليد..
أحدهما – وأتمنى ألا يغضب وهو يقرأ مقالتي هذه – حلف علي أيمانا وبالطلاق من زوجته إلا ان يصحبني الى معالج بالرقية، ووافقته لأشبع هواه، ودخلنا على المعالج ولن أصف ما رأيت في منزله/عيادته/ مشفاه لا اعرف اسما محددا لما رأيته، ووضع يده على رأسي وبدأ يقرأ أو يتمتم، ثم بعدها وبدقائق خرج بتشخيصه الروحاني لحالتي بجملة «يا ولدي انت فيك سحر». استغرق أطباء واستشاريون الامر ثلاثة أشهر بين فحوصات وأشعة ومراجعات ليشخصوا حالتي، وهم ممن درسوا الطب في أرقى الجامعات وتخصصوا في مجالات جراحة الاعصاب، وهذا المعالج لم يستغرقه الامر سوى دقيقتين من التمتمة ولمس رأسي ليكشف انني مصاب بالسحر، وان علي ان أتلقى العلاج لديه لمدة شهر ومنحني زجاجة ماء معدنية وزيت زيتون.
خرجت من عنده وصديقي يصرخ «ما قلت لك انك مسحور»، طبعا حاولت ان افهمه ان ليس لدي هناك ما يمكن ان يجعل شخصا يكلف نفسه عناء سحري، ولكن مخه كان «قافل» فلا انا بمن يملك الأطيان ولا العمارات والشركات ولا الملايين المتلتلة في البنك.
المهم عدت ولم استخدم أيا مما وصفه لي المعالج، وداومت على علاجي الطبي الحقيقي، وانا الآن والحمدلله أتحسن.
ما ذكرته جزء من العقلية العربية التي تفسر الأشياء بأبسط الحلول باللجوء الى الغيبيات او تفسير الامور وإرجاعها الى الغيبيات، فزلزال حصل هنا عقاب من الله وشخص خسر امواله سببه انه كان لا يصلي مع ان بيل غيتس لا يصوم ولا يصلي وجنى المليارات وهو الآن يرهن معظم ثروته للعمل الخيري، وحسين فهمي الممثل الوسيم الذي شاهدته ملايين الأعين لم يصبه شيء، وربما هذا السبب في دمار دول عربية كان يمكن ألا تسقط بهذا الشكل الذي سقطت به لولا انها حكومات وشعوب كانت تؤمن بالحلول الأسهل.
