آراءمحلي

الرشيدي: خدعة الجاني.. سياسيًا

ذعار الرشيدي
ذعار الرشيدي

ذعار الرشيدي:

كيف تتحول من مجني عليه إلى جانٍ؟، لا أعتقد أنه يمكن الإجابة عن هذا السؤال الا بما حصل معي الأسبوع الماضي عندما اصطدم بسيارتي من الخلف بسيارته مقيم آسيوي، وترجلت غاضبا من سيارتي التي تعرضت لأضرار كبيرة في جانبها الأيمن الخلفي بينما سيارة الآسيوي الشاحنة الكبيرة لم يكن بها خدش واحد، وبينما انا اتحدث معه وأعاتبه، أكرر أعاتبه على عدم انتباهه ولم أفعل شيئا أكثر من العتب دون أن أقل أدبي ولو بلفظ واحد، توقف عدد من «عشاق الحوادث» والتموا حولنا وكأنهم جمهور جاء ليحضر مباراة نهائي كرة قدم، عاتبت الآسيوي ولم أصرخ بوجهه واتصلت بعمليات الداخلية كإجراء طبيعي، الكارثة هنا وبينما أنا اتصل بغرفة العمليات وأعطيهم العنوان بدأ الآسيوي يبكي بطريقة هستيرية ومعها وصلة رجاء لأن أتركه يذهب وألا أطلب الشرطة، دموعه كانت تتسابق على وجنتيه بشكل صدمني فلم أفعل شيئا واحدا يستحق منه أن يفعل ما يفعله، القصة ليست هنا، بل القصة في الجمهور الذي أحاط بنا وكان كل منهم يرمقني بنظرة مفادها «يا الظالم ياللي ما تخاف الله أنت شنو سويت بالمسكين؟»، وقد طارت حواجبهم امتعاضا ومنهم من كان يرمقني بنظرة غضب وآخرون يمطرونني بنظرات، والآسيوي مستمر في وصلة بكائه المخلوط بجمل الرجاء أن يتركه يذهب إلى حال سبيله، في هذه اللحظة وأمام الجمهور الذي لم يفهم ولم ير شيئا تحولت من مجني عليه صاحب حق إلى جان ظالم «علي من الله ما أستحق».

***

الأمر استغرق فقط أن يقوم مرتكب جرم الحادث بوصلة بكاء هستيرية أمام جمهور عاطفي لا يعرف حقيقة ما حدث، ليتحول من متهم إلى مجني علي، وسط هذا الارتباك لم أجد فرارا من أن أقول للوافد الآسيوي «حقك علي.. وأنا آسف.. وأوعدك ما أدعم سيارتك مرة ثانية»، لم يكن أمامي وإزاء الموقف الذي تحول من حق لي وفي صالحي إلى ضدي بالمطلق، وسمحت له بالرحيل ليتركني مع سيارتي المتضررة بشكل كبير.

***

ورغم أنني إعلامي ومتخصص في فن معالجة أو تحليل الوقائع السياسية وأجيد فن «قلب الحقائق» إلا أن السائق الآسيوي غلبني، بل تمكن من هزيمتي في خمس دقائق في الفن الذي أجيده أكثر من أي شيء آخر.

***

ما حصل معي الأسبوع الماضي من «قلب للحقائق» أو بالأصح «قلب للوقائع» يحدث يوميا في مشهدنا السياسي، وهو يشترط ثلاثة أمور أولا: جمهور لا يعرف الحقيقة، وعليه يمكن أن تشكل رأيه بناء على تصرفك وتصريحاتك السياسية، ومن ثم سينجرف معك هذا الجمهور بلا وعي ولا إدراك ولا حتى أدنى تفكير، ثانيا وهو الأهم أن يكون في تصريحاتك خدعة وأن تصدر نفسك لذلك الجمهور غير الواعي بأنك مظلوم حتى ولو كنت قد سرقت 6 مناقصات و7 ممارسات وثلاثة مشاريع مليارية، الأمر الثالث هو أن تقنع نفسك أولا أنك مظلوم قبل أن تبادر إلى تبرئة نفسك.

***

والأرضية في الكويت خصبة جدا لكل من يريد أن يقلب الحقائق، فالجمهور عاطفي بالدرجة الأولى ويأخذ بالنوايا غاليا والأهم أنه لا يدقق كثيرا على الحقائق بل يحكم وفق آخر صورة شاهدها.

***

بعد حادثتي مع الآسيوي علمت يقينيا أننا جمهور الصورة الأخيرة، ولا ندقق فيما حصل قبلها ولا نكترث أبدا ببحث أي كلام يطرح أمامنا بل نطرلقه ونردده كما هو دون تدقيق أو تمحيص أو فلترة.

***

توضيح الواضح: لو كان الغالبية من الجمهور يمتلكون الوعي السياسي الكافي لما وصلت حالتنا السياسية إلى ما وصلت إليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى