آراءدولي

السالم : الوقت أنت

الشيخة حصة الحمود السالم تكتب:الشيخة حصة حمود السالم

العمر كتاب، دفتاه الميلاد والأجل، وحياتنا صفحاته ما إن تنطوي منه صفحة إلا وقد اقتربنا من الأجل، فنحن من نقرأ هذا الكتاب ونعيش لحظاته ونعيد قراءة بعض منه ولا ينبغي علينا كما يفعل أكثرنا أن نمر على سطوره مرور الكرام.

الوقت هو أثمن ما يمتلكه الإنسان وهو عند صفوة البشر أنفس من الذهب والأمم العظيمة هي من تعرف قيمة الوقت وتعطيه حق قدره، ولقد أقسم الله به في كتابه في أكثر من موضع قائلا جل وعلا (والشمس وضحاها)، (والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس)، ويخبرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع أولها عن عمره فيما أفناه؟!، ونجد الشاعر أحمد شوقي ينبهنا إلى أن «دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني».

وعلى الرغم من منجزات الحضارات المعاصرة والتي مكنت البشرية من توفير مزيد من الوقت إلا أن سوء استغلال ذلك هو السمة السائدة فنجد من أهم مثالبها إضاعة كثير من الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي مما أدى إلى افتقاد الأجيال الحالية والقادمة لمهارة التواصل الحي المباشر وجفاف المشاعر نحو الأقارب والأصدقاء واستسهال الحصول على المعلومة ونشر الكثير من الافتراءات والأكاذيب نتيجة التنطع الثقافي والكسل المعرفي.

يقول خبراء التنمية البشرية عن الوقت إن أصعب نقاطه هي نقطة الإقلاع والمقصود بذلك بواكير الصباح، وفي وعينا الديني من القرآن والسنة والأثر ما هو متواتر عن أهمية ساعة الفجر وقدسيتها للعبادة والسعي للرزق وهي ساعة مباركة تقسم فيها الأرزاق وتضبط البرنامج اليومي لكل راغب في استغلال وقته، حيث توزيع الأنشطة على مواعيد الصلاة، ولكن عدم استغلال بواكير الصباح ليس هو السبب الوحيد لضياع الوقت، ولكن السبب الحقيقي لدى أغلب الناس أنهم سجناء لعاداتهم اليومية ولن يستطيعوا تجاوز أسوار هذا السجن إلا بمزيد من الجهد والإرادة الحقيقية لإحداث تغيير حقيقي يمكن من خلاله أن نفيد ونستفيد، فالوقت نفسه لا يدار ولكن نحن من ندير أنفسنا لاستغلاله فالوقت هو ذلك العابر العنيد الذي لا يتمدد ولا ينكمش ولا يتراكم ولا يبالى لأحد فهو ماض بثبات وفق سنن الله في خلقه.

والسؤال يطرح نفسه.. ما الطريقة المثلى لاستغلال الوقت؟.. أعتقد من وجهة نظري أن الحل بسيط وهو ترتيب الأولويات ثم تفعيل توازن بشكل دائم بين أولوياتنا فمثلا علينا نحن كمسلمين أن نضبط مواعيد أعمالنا على مواقيت الصلاة حتى لا تتعارض فروض العبادة مع ضروريات الحياة والتزامات الآخرين معنا ويحثنا النبي الكريم في أكثر من حديث شريف على أهمية الوقت والعمل معا فيقول عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها» صدق رسول الله.

فنصيحتي لشباب الكويت خاصة وشبابنا العربي عامة أن يهتموا بالوقت في العمل الجاد الهادف والذي يعود بنفع على بلدنا الكويت مثلما فعل نظراؤنا في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في استثمار الوقت لتطوير ذواتهم واكتساب مزيد من الخبرات التي نحتاجها لمستقبل وطننا العزيز، حيث إن النجاح الحقيقي هو استغلال الوقت دائما للسعي نحو الأفضل وشبابنا قادر.

وأختم كلامي بتوصيف رائع للوقت من الشاعرة والأديبة راقية جلال الدويك تقول فيه.. «الوقت صناعة الهادئين وعذاب العجولين ومسألة التائهين… الوقت رفاهية المطمئنين ورعب المنتظرين وفلسفة الواصلين.. الوقت أعذب أمنيات الوصال وأصعب بوابات الفراق.. الوقت أنت حينما تملك حالك والوقت غيرك حينما تنتظر أمرك من غيرك.. والوقت هو الوقت.. عداد العمر السائر نحونا قدما مهما استخففنا به أو استبسلنا شجعانا ساعة لقياه».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى