الشركات العائيلية تقود الاقتصاد العالمي وتقوض دور الشركات

من يتحكم بالاقتصاد العالمي؟.. سؤال كثيراً ما يشغل بال الكثيرين، ففي الوقت الذي يؤكد فيه البعض أن اليد الطولى ما تزال للدول، يرى آخرون شركات عملاقة للغاية لها تواجد دولي بشكل يدفع للاعتقاد بهيمنة الأخيرة على الاقتصاد العالمي.
من بين أكبر 100 “كيان” اقتصادي حول العالم، تبين من حيث الدخل أو الناتج المحلي في حالة الدول والعائدات في حالة الشركات، تظهر 29 دولة فحسب في القائمة، بينما تستحوذ الشركات على 71 مركزًا، وذلك وفقًا لتقرير لـ”المنتدى الاقتصادي العالمي”.
وعلى الرغم من عدد المراكز الكثيرة التي تحتلها الشركات إلا أن المراكز التسعة الأولى محجوزة للدول، لتكون “وول مارت” أول الشركات ظهورًا في قائمة أقوى مائة كيان اقتصادي حول العالم، بما يعزز التساؤل حول أيهم يسبق؟ الشركات بالعدد أم الدول بالمراكز الأولى.
وهنا يشير تقرير لمركز “ماكنزي” للدراسات الاقتصادية والإدارية إلى أن الفارق الرئيس بين القوتين، أن العولمة اضطرت الدول لـ”التحول” بحيث تمارس نفوذها وقوتها الاقتصادية بشكل غير مباشر، فبدلًا من الرسوم الجمركية وحصص الصادرات والواردات بل وإنتاج الحكومات للسلع، تصبح الضرائب هي أداة الدول الرئيسية لحصد الإيرادات والسيطرة على الشركات.
وفي هذا الإطار يقدر المركز أن هناك 500 مليار دولار إلى نحو ترليون دولار تفقد بسبب تمكن الشركات من التحايل على القواعد الضريبية المتعلقة بمنع الازدواج الضريبي.
وبناء على ذلك تقيم الدولة عدة مصانع في دول متفرقة لتصنيع منتجها، لتقوم بتجميعه في دولة أخرى، وتبرز ورقة تجنب الازدواج الضريبي كمهرب يجنبها التعرض للضرائب، والأزمة أنه يضعف إيرادات الحكومات.
وفي هذا الإطار تبرز المحاولة الفرنسية لفرض ضرائب على الشركات التكنولوجية العملاقة، بنسبة 3% من إيرادات الأخيرة، وفقًا لـ”فاينانشيال تايمز”، فتلك تبدو محاولة لتجنب حصول بعض الشركات على أرباح طائلة دون مشاركتها من جانب الحكومات، بما يضعف الأخيرة اقتصاديًا.
بجانب الدول المتسامحة مع فكرة الضرائب، والتي تضعف حكومات الدول الأخرى اقتصاديًا، أصبح العديد من حكومات الاتحاد الأوروبي سيئة السمعة لعرضها “صفقات تقلل من العبء الضريبي على الشركات متعددة الجنسيات إلى حد مذهل” وفقًا لتوصيف “ماكنزي”.
تحدد مجموعة أبحاث “كوربنت” في جامعة أمستردام مؤخرًا خمس دول تلعب دورًا إضافيًا مهمًا في تسهيل تجنب الضرائب: المملكة المتحدة وهولندا وسويسرا وأيرلندا وسنغافورة، وذلك بسبب تشريعاتها التي تتيح للشركات تجنب دفع الضرائب بأكثر من شكل.
وتشير المجموعة إلى أنه خلال الخمسين عامًا الأخيرة فإن الشركات التي دعمت السياسيين الفائزين بالانتخابات في الولايات المتحدة، سواء حكام ولايات أو أعضاء كونجرس أو رؤساء للبلاد برمتها حققوا معدلات نمو تفوق باقي الشركات بنسبة 12-17% في المتوسط.
لا شك أن كل ما سبق يعد تقويضًا لقوة الدولة الاقتصادية مقابل تشجيع دور الشركات، لا سيما والشاهد أن معدلات نمو الشركات الكبرى تفوق معدلات نمو الدول بشكل عام، ففي الوقت الذي تنمو فيه قطاعات مثل الدواء والتكنولوجيا بنسبة 30%، تبقى الدول المتقدمة تقليديًا بمعدلات نمو دول 3% بما يعكس قدرة الشركات على تدعيم مراكزها بشكل أسرع كثيرًا من الدول.
وعلى الرغم من ذلك فإن هناك ما يمكن توصيفه بـ”الردة” على العولمة بكل ما بها، من خلال ما ترصده “أوكفسام” من فرض قرابة 65 دولة، من بينها الولايات المتحدة والصين وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وتركيا، لجمارك استثنائية عكس اتجاه منظمة التجارة العالمية، بما يعني عودة ولو نسبية لدور الدولة الاقتصادي.
ووفقًا لتقرير “ماكنزي” فإن الدول الناشئة هي “الأكثر ضعفًا” في مواجهة الشركات، حيث تبلغ نسبة ما تضخه استثمارات الأخيرة المباشرة فيها 40% من الناتج المحلي لتلك البلاد بما يجعل التنازل عن مثل هذا الدور أمراً شبه مستحيل، بينما لا تتعدى النسبة نفسها 12-15% في غالبية الدول المتقدمة في ظل اقتصاد محلي قوي.
الشركات هي السبب الرئيس لنمو الدول الناشئة بشكل لافت، إذ يشير التقرير إلى أن العشرة في المائة الأنجح من الشركات هناك مسؤولة عن 43-60% من نسب النمو للدول الناشئة مما يجعلها في حاجة ماسة لتلك الشركات.
بعض الدول لا تعاني من نفس المشاكل، ولعل هذا هو أحد أهم أسباب قوة الحكومة الألمانية الاقتصادية، بسبب الاعتماد في بناء الاقتصاد على شركات صغيرة ومتوسطة المدى في وقت تشكل فيه الشركات الأجنبية العاملة في البلاد نسبة لا تتعدى 4% فحسب.