

محمد الدلال:
قال تعالى: «… إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حتَّى يُغيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم… ». (الرعد: 11)
كان العزم أن أكتب مناديا بأهمية التقييم والمراجعة لتجربة الإسلاميين، وبالأخص لذوي التوجه السياسي بعد تداعيات «الربيع العربي» والردة عليه، فالموضوع مستحق لفصائل التيار الإسلامي بصورهم وتوجّهاتهم المختلفة، فهم أولى من غيرهم بالتقييم والمراجعة باعتبار انهم كانوا في طليعة التيارات المستفيدة من النتائج الأولى لـــ «الربيع»، من خلال الانتخابات التي اوصلتهم الى سُدة الحكم بعد اختيار غالبية الشعوب لهم بانتخابات حرة، شهد لها القاصي والداني، ومن ثم الاطاحة ببعضهم واعادة الأنظمة السابقة باشكال واسماء جديدة او عرقلة مسيرتهم في احيان اخرى، ولكن بعد تفكير عميق وجدت ان «الربيع العربي» ليس مقصورا او محصورا في تيار محدد بعينه، وليس مرتبطا بصعود الاسلاميين دون غيرهم. فالمراجعة والتقييم يجب ان يشملا جميع التيارات والنخب، فهي شريكة في احداث «الربيع العربي» وفي نتائجه، بل البعض شاركوا في الردة على «الربيع العربي» وفي اجهاض التجارب الديموقراطية الجديدة بوعي او من دون وعي! والمراجعة التي نقصدها تلك التي تنطلق من أسس موضوعية من داخل التيارات انفسها او من خلال اطراف محايدة، او من خلال لقاءات مشتركة بين تلك التيارات، بهدف فهم الواقع ومجريات الاحداث، وبحث جوانب الخلل والقصور في الأسس الايديولوجية لكل تيار، والتي ضاعت في خضم احداث «الربيع العربي»، بالاضافة الى الخلل الجسيم في الوسائل وأساليب العمل. وأود أن أضع بعض القضايا المحورية لعملية التقييم والمراجعة المطلوبة، فقد آن الأوان لها:
ــــ التقييم والفهم للواقع الذي يشمل طبيعة أغلب الأنظمة السياسية العربية والاقليمية القائمة وعلاقة الشعوب بها وفقا لمتطلبات التغيير او الاصلاح او التفاهم وفقا للمصالح العامة، اضافة الى فهم علاقة تلك الأنظمة بالقوى الاقليمية والعالمية سلبا وايجابا.
ــ الفهم الواعي لطبيعة النظام العالمي الذي تتوسَّد الولايات المتحدة حاليا قيادته ودوره في توجيه الاحداث في الاقليم العربي.
ــ المراجعة الداخلية الجادة للتيارات ومن دون عاطفة للمبادئ والآليات والاساليب التي استخدمت وانعكست سلبا او ايجابا على احداث «الربيع العربي».
ــ المراجعة والتقييم للعلاقات بين التيارات والنخب الايديولوجية والسياسية التي اصيبت في مقتل، بسبب سقوط خيارات التعايش والتوافق نتيجة لبروز امراض الغاء الآخر والاقصاء والتشفّي والاستئثار بالمكاسب ودعم الانظمة القمعية والعسكرية والامنية.
ــ التقييم والمراجعة لموقف كل تيار في مدى اقترابه او ابتعاده من قيم ومبادئ وقضايا الهوية، في اطار الاصالة والتبعية والعدالة والحريات العامة وحقوق الانسان ونبذ العنف والدولة المدنية والديموقراطية، والاستقلال الوطني.. إلخ.