

ذعار الرشيدي:
أتحدث سينمائيا هنا، ولا أتحدث سياسيا، فأميركا فعلا ليست بذلك الذكاء الذي نتوقعه ويظنه الجميع، وكأقرب مثال على ما أقول هو ان فيلم transformers: revenge of the fallen يظهر في أحد مشاهده ان الطيران العمودي الأردني يتدخل لإنقاذ أبطال الفيلم في مأزق تعرضوا له وسط القاهرة، وتحديدا فوق أهرامات الجيزة وكأن الأردن تبعد عن القاهرة 20 أو 30 كيلومترا، بينما تبعد الحدود الأردنية عن القاهرة نحو 400 كيلومتر وهي مسافة لا تستطيع ان تقطعها طائرة هيليكوبتر من عمان لتصل الى القاهرة، وهذا ربما يكون أكبر أخطاء الفيلم على الإطلاق.
****
ولكن الإدارة الأميركية ترتكب ذات الأخطاء التي ترتكبها أفلام هوليوود حول المنطقة، ولعل أهمها وأبرزها على الإطلاق انها تتعامل مع المنطقة اليوم كحقل تجارب سياسية، وأنها تصنع واقعها الذي تقرأ بموجبه الأحداث التي تتدخل بموجبها، وآخرها مواجهة «داعش» كأقرب مثال.
الإدارة الأميركية تتعامل في تدخلها العسكري مع حلفائها ضد داعش بعقلية «الكاوبوي» وليس بعقلية الإدارة التي تبحث فعلا عن محاربة شر حقيقي تشتكي منه المنطقة، وهذا أكبر أخطائها بهذا التدخل العسكري.
****
داعش ليست قوة عسكرية شريرة، بل فكر قائم، والفكر لا يمكن ان تواجهه بالأسلحة العابرة للقارات ومن البديهيات ان الفكر يواجه بالفكر لا بالأسلحة، فكلما قضيت على أحد منهم ومهما بلغ الحجم الصاروخي الذي ستوجهه لهم سيظهرون مجددا وسيظهر غيرهم، داعش فكر منحرف كما نراه في المنطقة، وليست مجرد قوة عسكرية قوامها 7 أو 70 ألف شخص، داعش فكر قائم منذ أكثر من 40 عاما، فكر قائم منذ إطلاق يد الجهاد في أفغانستان، الرصاصة مهما بلغ مداها في القتل لا يمكنها ان تقتل الفكر، يمكنها ان تخرق الجسد وتحرقه وتحيله الى رماد بكبسة زر، ولكنها لا يمكن ان تقتل الفكرة التي تنتشر بين شباب مسلم سلك طريقا خطأ.
****
هنا نقطة، الإسلام ليس إرهابا، ولم يرتبط الإسلام بالإرهاب كفكرة يوما، ولكن نشوء فكرة متطرفة سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية لا يمكن مواجهته بالنار، كما تفعل الإدارة الأميركية وحلفاؤها أو كما تريد تلك الإدارة، بل الفكر مواجهته بالفكر.
****
والمملكة العربية السعودية لها تجربة رائدة بل ومميزة في محاربة الفكر المتطرف بالفكر عبر برنامج عرف باسم «المناصحة» والذي نجح وبنسبة فاقت الـ 90% في محاربة الفكر المتطرف، وعبر مثل هذا البرنامج يجب محاربة داعش، كما حاربت المملكة العربية السعودية فكر القاعدة، ونجحت بذلك بشكل جعل دولا مثل الكويت تستنسخه وتطبقه لديها.
>>>
المنتمون لداعش يجب ان تعاملهم كمنحرفي فكر وليسوا كأشرار بالضرورة، أعني قبل ان ينضموا الى التنظيم الأخطر حاليا في العالم، والبعض للأسف يهوى خلط الأوراق في هذه المسألة، ويرون ان داعش هي الخطر الوحيد، بينما هي في الحقيقة ليست بأقل من حيث خطورتها من تصدير الثورة الإسلامية في الثمانينيات وما بعدها، هما وجهان لعملة واحدة بغض النظر عن التصنيف المذهبي وهذه الحقيقة التي يجب ان يعيها السنة قبل الشيعة وقبلهما الإدارة الأميركية، فأنت بمواجهة فكرة منحرفة ولست في مواجهة فوهة بندقية.
****
الحل ببساطة هو ان تبدأ مواجهة الفكر بالفكر، وليس بالأسلحة العابرة للقارات، والإدارة الأميركية قبل غيرها تعي ان الحرب ضد ما تسميه بالإرهاب لا يمكن ان تتحقق بالبارود، وهنا نقطة الخلاف الأهم.
****
توضيح الواضح: عندما أقول الإدارة الأميركية أعني المسؤولين السياسيين الأميركيين، وحتما لا أعني الشعب الأميركي المحترم والمبدع والذي لا يختلف في أخلاقياته أو قيمه الإنسانية عن اي شعب آخر في العالم.]