الشاهين يكتب:من أين لك كل هذا ؟!


بقلم/ أسامة الشاهين
حكم القضاء السويسري بكشف حسابات مدير عام سابق للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الكويتية، وحجم المبالغ المنقولة والعينية الضخمة التي تتداولها بعض وسائل الإعلام، أعادا للأذهان أهمية وجود كشوف ذمم مالية لقياديي الدولة، سواء عند تقلدهم للمنصب أو خلال توليهم المسؤولية أو بعد انتهاء خدمتهم العامة.
وهذا المطلب – المعروف بسؤال «من أين لك هذا؟» – دائم الحضور في مطالبات المعارضة، وكان أحد بنود حملة انتخاب الشعب الكويتي لنواب الأغلبية في مجلس فبراير 2012، وشكلت التأمينات ومديرها العام السابق أحد محاور استجواب نواب الكتلة للحكومة ممثلة بوزير ماليتها آنذاك.
وقد أصدرت الحكومة في 19 نوفمبر 2012 مرسوماً بقانون «ضرورة» رقم 24 لسنة 2012 بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية حسبما جاء في تسميته، لكن اتضح أن هذا المرسوم كان مجرد ذر «حكومي» للرماد في عيون «الشعب»، حيث لم يصدر مرسوم تعيين رئيس وأعضاء الهيئة وتحديد مرتباتهم إلا في 16 يونيو 2013، فأين هي الضرورة المدعاة منه؟ كما أن أحكام القانون كافة المتعلقة بكشف ذمم القياديين في الدولة – رئيساً وأعضاء مجلس الأمة ومجلس الوزراء ومجلس القضاء والنيابة العامة والفتوى والتشريع ووكلاء ووكلاء مساعدين ومديري الوزرات المختلفة وغيرهم – تم تعليقها على صدور «لائحة تنفيذية» للقانون، وهو ما لم يصدر حتى الآن رغم مرور أعوام 2012، 2013 و2014 عليه.
والمراقب يتساءل عن المسؤول عن هذا التأخير؟ وهل هو متعمد أم عفوي؟ ومن المستفيدون من غياب كشف الذمة المالية هذه الفترة؟ وهل هناك من غيروا أوضاعهم المالية استباقًا له؟ ومن هم وما حجم تلك الأموال؟ وما مصدرها؟ وهو بلا شك وضع خطأ، حاول مجلس الدولة المصري – برئاسة السنهوري – التصدي له بفتواه القائلة:
«من الخطورة بمكان التوسع في اعتبار صدور اللوائح التنفيذية ضرورياً لنفاذ القوانين بما يترتب على ذلك تعطيل هذا النفاذ وتعليقه بإرادة السلطة التنفيذية، وهو ما دعا غالبية الفقهاء إلى التمسك بأن الأصل دائمًا هو نفاذ القوانين ولو لم تصدر اللوائح التنفيذية ما دام هذا النفاذ ممكنًا» 2 مارس 1954.
وأؤكد أن المسؤولية السياسية والقانونية متحققة تجاه الحكومة، في تعطيل أحكام كشف ذمم قياديي الدولة المالية، وواجب أي (مجلس أمة) شرعي وشعبي محاسبتها على تقصيرها، وفي بحث محامي الدولة خالد عيد العازمي المنشور بالعدد 15 من مجلة الفتوى والتشريع تفصيل نافع عن علاقة القوانين بلوائحها التنفيذية.
إن قرارات الحكومة – بمباركة المجلس – رفع الدعوم عن الديزل ووقود الطائرات، وخصم قسط إضافي للتأمينات الاجتماعية، والمنح «المليارية» الخارجية، والتوجه لخصخصة الجمعيات التعاونية، إجراءات خاطئة، وعلى فرض صحتها فإنها يجب ألا تمر قبل كشف ذمم القياديين، واستعادة أي مسروقات، وإيقاف مظاهر الهدر والسرف الحكومي.



