
بقلم د . يعقوب الشراح
تشير التحليلات الاقتصادية أن النفط التقليدي الذي تنتجه غالبية الدول سيعاني مع الوقت مشكلات انخفاض الطلب عليه، وبالتالي ستتدنى أسعاره في السوق بمعدلات كبيرة نتيجة عوامل عدة من أبرزها ظهور ما يسمى «النفط الصخري» الذي يوجد أكثر كمياته على المستوى العالمي في أميركا، والتوقعات بأنه سيكون المنافس للنفط التقليدي أو الخام الذي تنتجه دول منظمة «أوبك»، ويعتمد العالم عليه بشكل كبير في حصوله على الطاقة.
لكن ما هو النفط الصخري؟، وما مزاياه وعيوبه مقارنة بالنفط التقليدي؟ النفط الصخري نوع من النفط الخفيف الذي يوجد في الصخور الرسوبية، ويتكون أساساً من مواد هيدروكربونية، وهو خفيف لأنه يسهل تكريره واستخراج مشتقاته.
ويرى الخبراء أن من مزاياه أنه يوجد بكميات هائلة في باطن الأرض تقدر بحوالي 5 تريليونات برميل مخزون في صورة مادية صلبة، وفي مكونات الصخور مقارنة باحتياطي النفط التقليدي الذي لا يتجاوز (1.37) تريليون برميل سائل. أي أن كميات النفط الصخري في العالم تقارن بحوالي ثلاثة أضعاف النفط التقليدي.
أما من حيث عيوب هذا النوع من النفط الصخري فإنه يحتاج إلى معدات ثقيلة وأجهزة حفر عالية الكلفة من حيث التأجير، فضلاً عن توفير عمالة ماهرة. لذلك فإن كلفة إنتاجه مرتفعة، كما ان استخراجه يؤدي إلى حدوث تلوث هوائي يؤدي إلى مشكلات بيئية، كما أن استخراجه يستنفد مياه الأنهار التي تستخدم في عمليات الحفر والاستخراج، وبالتالي قد تتأثر الأحياء المائية، وقد تنقرض بعضها.
المهم في هذا الموضوع أن أميركا وعلى مدى سنوات خططت لتصبح دولة منتجة للنفط، وليس كموردة له. فالإنتاج على المستوى المحلي يعني تنمية اقتصادية، وخفض كلفة الإنفاق العالي على الطاقة، ومنافسة الدول المنتجة للنفط التقليدي، ليس فقط في مجال التحكم بأسعار النفط الخام، وإنما أيضاً التأثير في السياسات الخارجية، والقدرة على التحكم في التوجيه والرقابة والسيطرة. في ظل استراتيجية تسمح باستخراج النفط الصخري وبيعه في الأسواق وعلى أساس منافسة أسعار النفط التقليدي التي لن تتمكن من زيادة أسعارها بمرور الزمن، خصوصاً وان احتمالات سعر النفط الصخري مقدر له ألا يتجاوز 55 دولاراً للبرميل في المستقبل.
إن هذا الواقع الجديد يخلق بلا شك تحديات للدول النفطية، وخاصة الخليجية أن تعيد كل حساباتها وخططها في مجال إنتاج النفط وبيعه من خلال منظمة «أوبك» أو بالاتفاق في ما بينها، وكذلك ضرورة استعجال ترشيد نفقاتها الحالية، ووضع بدائل اقتصادية باستثمار ما لديها من أموال وفوائض نقدية في مشاريع واستثمارات مستقرة.
إن الاستمرار في الاعتماد على النفط سواء كان مورداً ناضباً أو منافساً لموارد أخرى لا يحقق أبداً تنمية اقتصادية على المدى البعيد، فليس من المعقول أن تستمر الدول الخليجية على مورد اقتصادي واحد مثل النفط في الوقت الذي تنادي فيه الدراسات الاقتصادية للبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، من ان الدول الخليجية مقبلة على أزمات اقتصادية تؤثر في تنميتها واستقرار أحوالها في المستقبل، وإنه في صالحها أن تسارع في ترشيد نفقاتها، وتوقف الهدر في الأموال، وتوجد بدائل اقتصادية تعتمد عليها مستقبلاً أسوة بتجارب ونجاحات الدول الأخرى في جنوب شرقي آسيا مثل ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية.