
محمد بن إبراهيم الشيباني يكتب:

«لا ملك إلا بالرجال، ولا رجال إلا بالمال، ولا مال إلاَّ بالعمارة، ولا عمارة إلا بالعدل؟» (الفاتح: عمرو بن العاص، رضي الله عنه).هل نشرح هذه الكلمات، أم هي شارحة لنفسها؟! نهاية هذه الحكمة العدل، وهو ما أعجز الكبار وحيّر الأبرار فهو كل صغيرة وكبيرة، أو قل في كل شيء في حياتنا نعيشه أو نتعايش معه، وفي أعلاه وأوسطه وأدناه، وأوضحه، أو هو الذي في المنطقة الرمادية (الشبهات) أو هو الصغير القليل، وفي كل هؤلاء مطلوبة العدالة وهي عدالة النفس التي لا تميل مع الهوى وحظوظها، كما روي عن عمر بن عبدالعزيز «أنه كانت له الشمعة من بيت المال ما دام ينظر في حوائج المسلمين، فاذا فرغ من حوائجهم أطفأها وأسرج عليه سراجه»، ومَن يقدر على القيام بالعدل، بمثل هذا الرجل الذي أتعب من بعده من ملوك وخلفاء وحكام؟! كما قال القائل: كانت أحكام العدالة في حكم العدم تبيد خضراء الأمم وغضراءها.
هل تطبيق العدل صغيره وكبيره، دقه وجُله عزيز وكبير على الإنسان إلى هذه الدرجة، بحيث لا يستطيع أن يروّض نفسه الأمّارة بالسوء والحيدة عن الحق بمنازعتها وإرغامها عليه؟!
العدل تربية نفسية وقلبية أمرت بها الدساتير الإلهية والقوانين الإنسانية، فمن وطَّن نفسه على شيء استقامت عليه، وعملت به، والإنسان متى ما اعتد بنفسه ورفعها على العباد تطايرت المُثل والأخلاق من حوله، كما قالت الحكيمة أسكوت: «المعتد بنفسه قد يستطيع أن يتسلَّط على الناس، ولكنه لا يستطيع أن يتولى قيادتهم، ولا بد من أن يكرهوه، ما لم يخف اعتداده بنفسه أو يقلع عنه».
قلنا العدل أخلاق كذلك هو والغلظة في نفور وعدم تجانس، كما قالت الحكيمة نفسها: «الغلظة لا تجتمع أو لا تتفق مع ذكاء العقل».
لا نريد نحن معاشر المقصرين المسرفين على أنفسنا عدل عمر بن عبدالعزيز ولا طغيان فرعون، وإنما بين ذلك قواماً، إن أفلحنا وأصبنا القليل منه في حياتنا كلها في البيت، والوظيفة، والصحبة والشارع، وبين من نتعامل معهم من البشر بأجناسهم وأديانهم ومشاربهم.
الناس شتى وصفاتهم مختلفة، فلا يخلط أحدنا طيّبهم بمسيئهم، فهذا في القياس غير بديع وفيه اختلال بيّن.
لا أقول ومع تطور وتحول ناس الدنيا إلى الأسوأ إن الهلاك آتٍ، فمن قال هلك الناس فهو أهلكهم، كما جاء ذلك في التعاليم النبوية، وإنما سيعدل الطيب ميزان السيئ المعوجّ، عاجلا أو آجلا، فالسيئ ليس قدوة للطيب. والله المستعان.
• من جميل الحكم:
«القلب الكبير الذي يحوي العالم يضيق بالقلب الصغير يوم يزعم هذا السيطرة عليه وتنظيم عمله» (مي).