
د. وائل الحساوي:

حدثت لي قصة طريفة عندما كنت طفلاً، فقد كان الأهل كما هو حال معظم الكويتيين يستخدمون وسائل التخويف الخيالية لاجبارنا على الانتهاء عن الشيطنة التي كنت من روادها في الصغر، ومن تلك الوسائل المستخدمة كان التخويف بما يسمونها «حمارة القايلة» وهي بحسب الاساطير الكويتية عبارة عن حمارة تخرج وقت الظهر (القيلولة) لتهاجم من يرفض الانصياع لاوامر الأهل. وفي ذات يوم قامت احدى قريباتي بلبس عباءة تغطي جسمها كله ثم سارت في الممر داخل البيت على اربع قوائم، فقالوا لي بأن حمارة القايلة قد جاءت لتفترسني، فما كان مني إلا ان ركضت الى غرفة والدتي للهرب منها، ولكني اصطدمت بها وبذلك انكشف المستور!قصة داعش اليوم تكاد تصبح اشبه بحمارة القايلة التي تبث الرعب في قلوب الناس، وتصبح حديث الجميع وهاجسهم اليومي، والكل يتساءل: هل يعقل أن يشكل تنظيماً مسلحاً لا يتجاوز عدد افراده ثلاثين ألفاً – بحسب تقدير الغرب – ولا يملك طيارات ولا دبابات ولا اجهزة متطورة، هل يعقل أن يسبب ذلك الخوف في قلوب الناس الى درجة نسيان كل ما سواه، ام انها تمثيلية هوليوودية قد تم اخراجها بإتقان لاهداف لا تخفى علينا؟!
وإذا كان القائد الاميركي في العراق يقول بأنهم قد قتلوا ما لا يقل عن 8500 من قيادات داعش في العراق، فهل يعني ذلك بأن التنظيم يكاد ينتهي ويتلاشى، ام أن السيناريو مازال مستمراً لان الغرب لم يستكمل اهدافه في التخويف من ذلك التنظيم؟!
لقد استخدم تنظيم داعش أساليب جديدة لم يجرؤ عليها أحد من قبله مما اعطاه ذلك الزخم الكبير مثل المبالغة في القسوة مع المعتقلين والذبح والحرق الذي لم يعهده البشر من بعد الثورتين الفرنسية والشيوعية، والامر الآخر هو تلك التقنية العجيبة في تصوير الافلام البشعة لذبح البشر وقطع الرقاب والتي من المفترض أن يحصل اصحابها على جوائز الاوسكار بلا منافس!
الآن وبعد أن ذهبت السكرة واتت الفكرة فقد بدأ الناس يتساءلون عن حقيقة هذا التنظيم ولماذا يتخذ من الاسلام شعارا له؟!
فلاشك أن وراءه قوى شيطانية رهيبة لها أهداف شريرة اهمها تشويه صورة الاسلام وصد الناس عن الايمان به ومن اهدافها كذلك الهيمنة على بلاد المسلمين تحت شعار التصدي للتطرف والارهاب، واخضاع الحكام المسلمين لجميع شروط الأسياد الذين جاؤوا لانقاذنا من الخطر الداهم!
نسمع اليوم في الاخبار بأن دولاً مثل كندا واستراليا وبريطانيا قد اتخذت احتياطات مشددة في بلادها تخوفاً من حدوث اعمال ارهابية يقوم بها تنظيم الشباب الصومالي، ومنها مهاجمة اكبر مجمع تجاري في الولايات المتحدة الاميركية، ونحن لا نلومهم على اتخاذ الاحتياطات المطلوبة لحماية بلادهم من خطر التطرف والارهاب ولكن هل سألوا انفسهم عمن اخرج هذا المارد من قمقمه وجعل اعدادا كبيرة من ابناء المسلمين يتسابقون على الانضمام لداعش والقاعدة يقودهم السخط والنقمة على واقعهم المرير واليأس من الاصلاح، بل هل سألوا انفسهم عن سبب سكوتهم وتشجيعهم للأحزاب الشيطانية التي ما فتئت تفتك بشعوبها وتسومهم سوء العذاب؟!
ألا يكفي مقتل اكثر من 300 ألف سوري وتدمير بلادهم على رؤوسهم؟ ألا يكفي مقتل اكثر من ألفي فلسطيني في غزة وتدمير 100 ألف مسكن؟! فهل ارتد الوحش على من صنعوه وتحول الى ديارهم ام انها حمارة القايلة وقد تحولت الى واقع؟!