
يقودنا ميشيل فوكو، فيلسوف الذاتية وملهم الشباب الطليعي، الى الأفعال والعتبات الإبستيمولوجية والانقطاعات وتحول المفاهيم وانتقالها، وأيضا الوحدات البنائية للصروح والانساق ومظاهر الانسجام والكيفية والنسيان والتكرار، وتلك الأسئلة التي تعين مختلف المفاهيم التي تسمح بالتفكير في الانفصال، كمفاهيم العتبة والفصل والقطيعة والتقلب والتحول، وما مستوى التأويل وما مستوى تعيين اقتران العلل بالمعلولات ويزيد على ذلك، هكذا نرى العبارة تتداول وتستعمل.. تتوارى وتختفي.. تسمح بتحقيق رغبة ما أو تعوقها..، إنها أداة طوع يد المصالح أو متمردة عليها..
تدخل في نظام من النزاعات والصراعات، وتغدو موضوعا محوريا للتوافق أو التنافس، فيؤكد فوكو في كتابه «حفريات المعرفة» بدل من أن نتمسك بوحدات كان يعتقد أن أساسها، إن لم يكن البداهة نفسها فعلى الأقل تشدنا إليه «ألفة شبه إدراكية»..!
اذا أحببنا إسقاط ما سبق من المفاهيم على واقعنا اليومي، ففي الماضي القريب كانت مصادرنا: صرح الصحافي، وكتب الكاتب الفلاني، أو قابل المذيع تلك الشخصية العامة، وفي الحاضر المُعاش؛ جميعنا نقول: غرد فلان عن مجلس الأمة، أو وجه المغرد الفلاني أسئلة للوزير، أو قامت الفاشينستا بوضع فطورها الصباحي على موقع انستغرام، حتى جاء السناب شات الذي لا أزال أجهل كنيته الغرائزية، فأفاض الناس بخصوصياتهم تحقيقا لليليبدو بين مفاهيم تحتاج الى مقال منفصل وهي الأخيولة واللاوعي الجمعي والانقلاب الضدي..!
وعن تجربتنا وما شهدناه وبعد إقرار القوانين ذات الص.ّلة بالحقل الإلكتروني ومشتقاته من مواقع مختلفة كنّا نتناقش ونختلف، فكنت أرى القواعد العامة والقياس على قانون المطبوعات تفي بغرض تجريم بعض الوقائع؛ حتى تمت اضافة نص «مطبوع إلكتروني» ومعه أصبح النطاقان المكاني والزماني للأفعال المؤثمة صريحين وعامين ومجردين، لكن الحالة السياسية منذ الربيع العربي وحتى انقشاع ضبابية الحراك انتقلت الى الاحتقانات الطائفية ولا نعرف متى يرتدع البعض من السجن أو الغرامة..!
أخيرا.. بعض مظاهر العلاقات «البين شخصية» تعتريه أحيانا صفة الغموض وأحيانا صفة الإلزام في رقابة الناس على خطواتنا وسلوكنا وتغريداتنا، فالبعض يريدك ألا تكتب والبعض يرغب فقط بما يناسبه، ففي هذه الوسائل التقنية ليس البحث عن الشهرة هو الدافع الوحيد لمن يستخدمها، فهناك دافع «الأمان الإلكتروني»، الذي يعتقد به من يؤمن بالحريات والنقد العام، وكذلك يرغب في خصوصية تمنحه القدرة على حرية التعبير أيا كان نوعه.. وشكرا..!!