مصطفى الصراف يكتب

ليكون مجلس التعاون الخليجي قوة إقليمية مؤثّرة، لا بد من إعادة النظر في رسم سياسته الخارجية، وفي علاقاته بين الدول الأعضاء فيه، ثم في علاقته بالدول العربية قاطبة، كما في علاقته مع الشعوب الخليجية والشعوب العربية قبل رسم علاقاته مع الدول الأجنبية. إذ لا يمكن لمجلس التعاون الخليجي أن ينجح في أن يكون منظمة إقليمية مؤثّرة معترفاً بها من قبل الدول العربية والدول العالمية الكبرى في ما لو نهج سياسة غير ودية مع الدول العربية ودول المنطقة.لقد عمل مجلس التعاون الخليجي على أن يكون هو القوة العربية الإقليمية لملء الفراغ الذي تركته جمهورية مصر العربية في المرحلة السابقة، مستعيناً في ذلك بما تتمتع به دولة من قوة مالية استطاع بها الهيمنة على قرارات الجامعة العربية، معتمداً على قوته المالية، وهذا العنصر منفرداً لا يمكن أن يبقي مجلس التعاون قوة عربية مؤثّرة، فخلاف مجلس التعاون مع سوريا، وهي دولة عربية لا يستهان بها، كما أن خلاف المجلس مع العراق وهو أيضاً دولة كبيرة محل اعتبار، بالإضافة إلى الجزائر، ومكانتها في شمال أفريقيا التي لن تؤثر فيها القوة المالية، هذا الموقف من هذه الدول العربية المؤثرة في الشعوب العربية لما لها من عمق تاريخي وإرث حضاري لا يمكن أن يتجاهل مجلس التعاون مكانتها ويعاديها، ويتوقع أن يكون هو القوة الإقليمية التي تمثل المنطقة العربية. فلكي يكون مجلس التعاون قوة إقليمية يجب أن يقيم علاقات مع الدول العربية ومع دول المنطقة الأخرى كتركيا وإيران تتسم بالود والاحترام المتبادل وليس العداء والتشنج والكراهية. فهذه السياسة قد عفا عليها الزمن ولم تكن يوماً ذات تأثير إيجابي في السياسة العالمية، لا سيما إذا كانت تصدر من مجلس التعاون الخليجي، وهو في بداية نشأته نسبياً، وليس لنا من تراث تاريخي وحضاري مؤثّر في الثقافة العربية، كما لدى العراق وسوريا ومصر والجزائر واليمن الموغلة في التاريخ، وحضارة الأبراج والمجمعات الكونكريتية والمولات التجارية لن تكون بديلاً لدى الشعوب العربية عن العمق الحضاري لتلك الدول. وها هو فعلاً بدأ تأثير القوة المالية ينحسر لدى الشعوب العربية بعد أن بالغنا، أحياناً، في استخدام المال للهيمنة عليها، وبدأت تتنكر لهذه السياسة، ليصحو فيها إحساسها الحضاري الأصيل. نحن لدينا الإمكانات لنكون قوة إقليمية مؤثّرة إذا أدركنا هذه الأمور، وتعاملنا مع الدول العربية والإقليمية وشعوبها على أساس من الود والاحترام، وليس الكراهية السياسية أو الطائفية أو محاولة شراء ودها بالمال وحده.

