
الثقافة هي التي تحدد هوية «المواطنة الصحيحة»… إنها خليط من قيم ومعتقدات يرسمها قادة المجتمع من رموز مؤثرة في صناعة القرار مجتمعين لا منفردين !
نعرف هويتنا كمسلمين.. فهي مسجلة في شهادة الميلاد لكن ما إن ينمو المولود ويترعرع في المحيط الذي يعيشه وسطه تبدأ تتكون شخصيته عند بلوغ سن 12 عاما وتبدأ مرحلة المراهقة المؤلمة حاليا فقليل من الآباء تجاهلوا أهميتها ليترك المراهق تعبث به الساحة فلا يعلم أي خط هو سالكه إلا بعد تجاوزه المرحلة الحرجة والله خير حافظاً. لذلك فصناعة قيادي أخلاقي (من يتخذ القرار الصحيح) هو بالأساس مبني على طريقة تربيتنا للصغار بدءا من المرحلة الابتدائية لأنه كما قيل بأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر ولا شك أن هذا الأسلوب غير متبع لدينا!
نلاحظ الفوضوية في السلوك ونبحث عن دور علماء الاجتماع والنفس ولا نجد لهم أثراً وهو ما ذكرناه في المقال السابق «وزير التربية ومأزق الاختصاصي الاجتماعي» وتجاهل هذا الدور الحيوي في سبل إعداد جيل اليوم نتجت عنه المحصلة الحالية !
لا تحدثني عن الإرادة الشعبية… ولا تجادل بما لا تجد له على أرض الواقع أثراً !
إن الإرادة الشعبية تمسكت بمدأ خطير نابع من الاعتقاد بأن ما يقتنع به الفرد يفعله وعند المواجهة يقول «بكيفي»!
عقدة/مبدأ «بكيفي» تآخذك لا شعوريا إلى مقدمة المقال فهي من رسمها المراهقون ونفذها الكبار وأيضا لا شعوريا!
أنت عندما تترك سلوكا شاذا «يلعب في حسبة» الصغار ولا يتحرك الكبار العقلاء فمن الطبيعي إن «بكيفي» هذه تصبح متأصلة كجزء أساسي من ثقافة المجتمع سلوكيا!
وعليه٬ أعتقد بأن الفساد لا يحارب بالقانون فقط… إنه بحاجة لحسن إدارة تبدأ من تثقيف فئات المجتمع صغاراً وكباراً أياً كانت صفة الفرد والمجموعة التي ينتمي إليها.
قد يظن البعض أنها فلسفية نوعا ما… وما المشكلة إذا علمنا بأن الفلسفة تعني البحث عن الحقيقة والحقيقة في تغيير ثقافة المجتمع لا تأتي بالفرض٬ إنها تأتي وفق برامج تنويرية يتسلم مهام رسمها والاستعانة عند تنفيذها بعلماء اجتماع ونفس وقياديين على مستوى عالٍ من القيم الأخلاقية لأنه كما قيل «فاقد الشيء لا يعطيه».
لو كان القرار بيدي… لطالبت أصحاب القرار من بيدهم تغيير ثقافة المجتمع أن يتجردوا من سالفة «الموضوع فيه فلان» و «راح ينضر فلان»و«هذا ولدنا»ومن العبارات التي تنتهي معها كل عملية إصلاحية!
هذا من جانب٬ ومن الجانب الآخر والمهم أن يفهموا أن علم القيادة غير مرتبط بالشهادة العلمية فكثير من أحبتنا لديه بحث أو رسالة ماجستير أو دكتوراه في نوع من أنواع القيادة و«شوية»استبيانات وتحليل و«بس»… هؤلاء بحاجة لمن يفرزهم ليظهر الفاهم من الذي«يطق هرن والشارع فاضي»!
ويجب ألا نغفل دور الإعلام ووزارة الشباب بالإضافة إلى التربية والمحافظين وعلماء الاجتماع والنفس حيث إنه وإن سلمنا بأن القياديين هم من يصنعون الثقافة فكذلك الحال بالنسبة لدور هذه الجهات في رسم القيم والمعتقدات التي تشكل الثقافة ويبقى دور القياديين محصوراً في أخذ الاجتهادات ورسم الرؤية والاستراتيجية المناسبة (لا يمكن فصل علم وضع الاستراتيجيات عن علم القيادة ـ القيادي من دون فهم استراتيجي لا يمكن أن يصنع رؤية وأهدافاً).
إننا نتحدث عن قرار مصيري لخلق جيل وتغييرالثقافة بيد القياديين والحكم لكم… عارف كيف؟ والله المستعان!