آراءمحلي

العبدالجادر: صديقي الحرفيّ المثابر

محمد العبدالله العبدالجادر
محمد العبدالله العبدالجادر

محمد العبدالله العبدالجادر:

كان نافذتي على الحرفيين في القطاع النفطي، وكان نقابيا من الدرجة اﻷولى، عندما يتحدث عن الصناعة والآﻻت والمعدات كأن عاشقا للفن يحدثك عن المسارح والمتاحف، عندما قرر التقاعد لم أصدقه، ﻷن له عزيمة ﻻ تقهر وتحديا صادقا ودؤوبا، أحد الجنود المجهولين ابان الغزو العراقي في 1990، ساهم مع أقرانه في تشغيل المصافي، واصيب اصابة بالغة ﻻ تزال علامتها معدنا مثبتا في احد ساعديه.

لم يتقاعد طبيا أو يتحايل على القطاع، سأكشف عن اسمه في ختام المقالة، فقصته في اي مكان بالعالم نبراس للشباب المكافح، وخاصة للحرفيين، ما زلت أتذكر قراره الحاسم عام 1981، عندما لم يوفق في اجتياز الثانوية العامة، التي كانت كابوسا مسلطا على رقاب الشباب من جيلنا آنذاك، وكانت تلك الشهادة هي بوابة الحياة كما صورت لنا وسواها الفشل، ولكنه كسر القاعدة وقام بالتسجيل في دورة حرفية لمؤسسة النفط لخريجي الثالثة علمي كحرفيين ولحام وفنيي تشغيل المصافي، كنت أراه بلباسه الازرق يداوم مع بزوغ الصباح، وذهبنا للجامعات النظرية وظل متمسكا بعقيدته الفنية والحرفية.

كفاح الرجل لم يتوقف، ولكن عائق الشهادة توقف عند الترقية، ورغم اتقانه اللغة الانكليزية وفهمه العميق للمعدات والآﻻت بشكل ﻻ يصدق، فقد قام بصمت بمحاوﻻت حثيثة لنيل الثانوية، من خلال نظام المنازل، وظل يحاول ويحاول حتى وفق بعد سنوات في نيل الشهادة ثانوية علمي، وكم كان فرحا بنجاح المحاولة، ولكنها لم تكن ذات جدوى، فقرر وبمثابرة عجيبة الدراسة الجامعية، وكان وجود الجامعات الخاصة فتح الباب له، وكان قد بلغ الاربعينات من عمره، وكون اسرة ومنزﻻ، ولكن حلمه بالتعلم اكبر من كل هذا، ووفق بالجمع بين عمله المضني والدراسة، وكان يتعرض لمواقف محرجة وظريفة، فقد كان يعتقده البعض بالجامعة ولي أمر، بينما كان في القاعات طالبا وطالبا نجيبا، انقطع عني فترات، ثم جاءني قبل سنتين حاملا شهادة الهندسة، بعد كفاح جاوز الثلاثين عاما، وهو الذي بخبرته تجاوز فهمه العملي مئات المهندسين، وبدﻻ من تكريمه يغلق الباب بوجهه، بأن تعديل وضعه ومسماه صعب بحجة العمر والخدمة، وبدﻻ من الاستفادة من خبرته واستشاراته، تركوه مع أقرانه يتقاعد، ويعبّر لي صديقي عن أن جيلا كاملا من الحرفيين الكويتيين كانوا يملأون المصافي انتهى، واستعيض عنه بشركات، وخسرت دولتنا حرفيين ﻻ يعوضون، في نزيف بشري ﻻ يوقفه أحد.

الصديق المهندس محمد عبدالمحسن القناعي ـ أبو حمد ـ اذا لم تكرمكم مؤسسة النفط أنت وأقرانك، فإن لك اصدقاء وعائلة يفخرون بك، فقد لقنتنا دروسا في العزيمة والمثابرة وأنت ﻻ تشعر، فقد مثلت جيلا من الحرفيين الكويتيين الذين ﻻ يعوضون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى