آراءمحلي

العتيبي: مبارك وعوراتنا العقلية

ذعار الرشيدي
ذعار الرشيدي

ذعار العتيبي:

توطئة: الشعب العربي عاطفي إلى درجة أنه يعشق ماضيه ويكره حاضره ولا يؤمن بمستقبله.

***

أوسع بوابة تم افتتاحها منذ اندلاع ثورات الربيع العربي بوابة «الدخول في النوايا» وبجانبها بوابة صغيرة اسمها «نظرية المؤامرة»، وأغلب تحليلات الساسة العرب والمحللين لا تخرج إلا من هاتين البوابتين، لا أعرف محللين في العالم يستندون إلى العاطفة سوى المحللين العرب، ينتشرون في البرامج الفضائية انتشار النار في هشيم السياسة، الاتهام بلا دليل لديهم أسهل من شربة ماء، الموالون منهم والمعارضون والمثقفون والمتثيقفون وأكلة الجيف السياسية وضيوف موائد كبار الساسة والمعارضون في المهجر والداخل، كلهم يستخدمون العاطفة كقاعدة للحكم على أي شيء يثار سياسيا كان أم رياضيا.

***

بالأمس صدر الحكم على الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك بالبراءة، وجاءت صحيفة الدعوى بأكثر من 2000 صفحة، ولكن أحدا ما لم يقرأها لا من أولئك المعارضون المشككون في الحكم ولا أولئك المؤيدون له، ولكنهم فجأة من المحيط إلى الخليج تحولوا إلى قضاة وأساتذة قانون بل ومخترعي قانون، وبدأوا يصدرون أحكاما وفق مزاجيتهم ويتهمون ويبرئون، بل إن أيا منهم لم يتابع كامل وقائع المحاكمة منذ بداياتها حتى اليوم، ومع هذا تحولوا إلى خبراء قانونيين، اكتفوا ببناء نظرياتهم الموهومة بناء على سماع منطوق الحكم، ولكن أحدا منهم لم ينتظر حتى يقرأ حيثيات الحكم، بل بعضهم تجاوز هذا كله وصب جام غضبه على المحكمة وقضاتها، والبعض الآخر اختزل قصة العالم العربي بهذا الحكم وبدأ يعيد نسج سجادة نظرية المؤامرة التي تحاك ضد الوطن العربي من نوكوشواط إلى مضيق هرمز ليصلي عليها صلاة.. مزاجه في إطلاق الأحكام من على ناصية المقهى الذي يرتشف فيه كوب قهوة أميركية.

***

الحكم ببراءة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، يكشف عورات تفكير معظم العرب، خسر المنتخب الكويتي فتحول كل الكويتيين إلى محللين رياضيين، صدر الحكم ببراءة الرئيس فأصبح نصف الشعب العربي محامون متخصصون بقانون الثورات والنصف الآخر قضاة وبعضهم لم يجد بأسا من أن يتحول إلى جلاد تحت الطلب، قاد التحالف الدولي ضربات جوية ضد «داعش» فتحول العرب وغير العرب من المسلمين إلى خبراء عسكريين بل بعضهم «تحلف أن سره مقطوع» في كلية سانت هيرست العسكرية.

***

لأننا متعلقون بالماضي، خسرنا حاضرنا، وعندما لا نجد ما نعلق عليه أخطاءنا كشعوب نلجأ دائما إلى شماعة «نظرية المؤامرة»، نشعر بأن الكون كله يتآمر علينا وأن شعوب العالم كلها قد عقدت بينها اتفاقيات سرية لإبادتنا من على وجه الخليقة، تفكير غير منطقي تحكمه العاطفة لذا لن نتقدم قيد أنملة ما لم نترك عنا التفكير العاطفي.

***

لا أستطيع ان أعلق على الحكم ببراءة الرئيس حسني مبارك فلست محاميا ولا مطلعا على صحيفة الدعوى ولم أقرأ حيثيات الحكم، ولكنني حكمت على ردة الفعل العربية التي أعقبت الحكم وأثبتت أن.. عاطفتنا هي أسوأ مشاكلنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى