آراءخبر عاجلدوليصورة و خبر

عبد العزيز يكتب : العراق قبل وبعد الأميركان.. دم فوق دماء

خاص – حماك

محمد عبد العزيز

IMG-20150115-WA0031
محمد عبد العزيز

 العراق .. ذلك القطر الشقيق أحد حبات اللولي فى عقد الامة العربية والإسلامية ، تاريخ ممتد عبر القرون .. مهد الحضارات ، ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة مفاده : لماذا بات تاريخه الحديث مخضب بالدماء ، اذ يرزخ منذ 3 عقود من الزمان تحت وطأة الحروب والقتل والدمار ؟ و هل العراق قبيل التدخل والهيمنة والاحتلال الأميركي أفضل أم بعد أن غادرته القوات الأميركية ؟

 

وللمقارنة بين فترة  حكم صدام حسين وفترة ما بعده  ، نجد كثير من المفارقات التى تقع في بوتقة معادلة واحدة لا ينتج طرفها الأيسر سوى الدماء التى تسيل من المكونات جميعها فى ذلك البلد  العربي متعدد الثقافات والاعراق والطوائف .

 

ولابد من الاشارة الى التسلسل التاريخي المختصر للعراق قبيل عقد المقارنة بين  عراق صدام وعراق ما بعد صدام لأن التشابه سيد الموقف بين جذور العراق وأوراقه وثماره التي تحولت من اللون الاخضر الى اللون الاحمر ” لون الدماء “

 

البدايات … لبلاد ما بين النهرين ، وهي موطن لأحد أقدم وأعرق الحضارات في العالم تشهد أن أزهى عصورها تلك الفترات التي حكمها فيها المسلمون في عصر الخلفاء الراشدين في القرن السابع الميلادي ، وكانت مركزا للدولة الإسلامية في العصر الذهبي خلال الخلافة العباسية في العصور الوسطى.

 

وبعد سلسلة من الغزوات والفتوحات على يد المغول والأتراك سقط العراق تحت الحكم العثماني في القرن السادس عشر ، وسقطت بشكل متقطع تاريخياً تحت السيطرة الإيرانية الصفوية والمملوكية.

admin-ajax
اعدام صدام .. هل حسن مستقبل العراق ؟

 انتهى الحكم العثماني مع الحرب العالمية الأولي وأصبحت بريطانيا العظمى تدير العراق حتى قيام المملكة العراقية عام 1933. ثم تأسست جمهورية العراق عام 1958 ، وقد سيطر عليها  عدة رؤساء أبرزهم واكثرهم اثارة للجدل صدام حسين 1979-2003 ،  في هذه الفترة ابتليت العراق بحرب الثماني سنوات مع ايران الى ان امتثلا لقرار الأمم المتحدة وقف اطلاق النيران ، ثم كان القرار الغبي الأهوج من صدام بغزو الجارة المسلمة المسالمة الكويت فنتجت حرب الخليج الثانية . وقد خلع صدام في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد عام  2003. ثم تدهور الوضع إلى حد انه في عامي 2006  – 2007 كانت العراق  على  شفا حرب أهلية.

 

لم تكن فترة حكم صدام  وهي قرابة الربع قرن  من عام 1979 الى عام 2003  لم تكن سوى ويلات وحروب لكن كان المواطن العراقي يعيش بعض الوفورات المالية نظرا للرفاهية النفطية التى كان عليها العراق والاقتصاد القوي رغم الحروب التى كان يدعمه فيها كثير من دول الخليج  .

 

وقبل أن يسدل عام 2011 ستائره غادرت القوات الأمريكية المقاتلة العراق بعد أن استوطنت ثماني سنوات فأى فترات العراق أفضل هل تلك التي سبقت الاحتلال الأميركي  ” فترة صدام ” أم بعد عام 2011 يوم أن رحل الاحتلال   الاميركي عنها  .

المعروف أنه ومنذ ذلك الحين قاد العراق رئيس الوزراء نوري المالكي الذي تولى منصبه عام 2006  لكنه كان مع ايقاف التنفيذ الى ان مارس عمله الفعلي بدءا من عام 2012.

و منذ بداية عام 2014 واجه العراق عدة تحديات منها محاربة تمرد كبير بقيادة تنظيم داعش في العراق والشام ، واحتلاله مناطق واسعة من مدينة الموصل ومحافظة صلاح الدين ،  وقد شاركت الحكومة الإقليمية الكردية في القتال ضد التنظيم الذي يوسم باسم ” الدولة الاسلامية ” والإسلام منه براء فديننا يكرس  ان الدم كله حرام وهؤلاء يسفكون الدماء ليل نهار وعلى كل صعيد .

 

ولأن الولايات المتحدة قاسم مشترك في كل أحداث العراق منذ نهاية حكم صدام فقد كان لها دوما قصب السبق فى المرحلة الأخيرة ايضا فقد ساهمت قواتها في العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة، وقامت بقصف جوي في عدة مناطق ومواقع يحتلها التنظيم.

 

ولقد واجه نوري المالكي منذ شهر يونيو عام 2014 ضغوطا متزايدة للاستقالة، بما في ذلك من اميركا ، بعدها طالبت الحكومة الاقليمية الكردية باستقالته , وبدأ حزبه (حزب الدعوة الإسلامية) بالبحث عن زعيم جديد ، وبالفعل قبل ان يرحل عام 2014، عين الرئيس العراقي الجديد فؤاد معصوم، رئيس وزراء جديد، حيدر العبادي.

 

ولمحاولة ضبط الأمور داخل العراق أعلن العبادي عن مجموعة قرارات – اسماها اصلاحات –  أبرزها إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية (نوري المالكي وأسامة النجيفي وإياد علاوي) ونواب رئيس مجلس الوزراء في استجابة للاحتجاجات الشعبية .

 

والان بعد 12 عاما من إسقاط صدام حسين ما زال العراق  مشتتا اسيراً لصراعات وانقسامات ترفع من سقف لغة الدماء  وتعمق معها جراحات العراق .

إقليم كردستان حقق احلامه القديمة ويدنو الان من أن يكون له دولة لكن باقي العراقيين ما برحوا ينزفون ويسحقهم الفساد الذي ينخر في جدران كافة اركان الدولة .

 

12 عاما بعد صدام مرت صعبة على العراقيين وكأنها قرونا طويلة ، وهم الذين فرحوا بإسقاط نظام ديكتاتوري . كان اغلبهم ينتظر مستقبلا افضل في ظل حكم ديمقراطي ورخاء وحرية .

 

نعم لا شك في ان الوضع الاقتصادي قد تحسن بشكل ملحوظ ، وتحسنت مستويات دخل المواطنين  ،  لكن غياب الأمن هو المعول الاساسي للحياة التعيسة التي تمثل فارقا رئيسا بين فترتي  صدام وما بعده ، فعراق صدام كان الأمن يتسيد المشهد الداخلي رغم الحروب ،  العراق لم يكن نارا ابان صدام ولا تحول  إلى جنة بعد سقوطه ، فالأمن غاب بغياب نظام صدام البوليسي القمعي ولم يعد . والنظام العام غاب بسقوط صدام ونظامه ولم يعد، والفساد الذي كان شائعا في عهد صدام، أصبح عنوانا لحالة الدولة  بعده .

 

وفي أحد الملصقات الدعائية  للانتخابات تخيل الحزب الديمقراطي الأميركي صدام يكتب قائلاً  : هل تفتقدونى الآن ، فقد كنت أسيطر تماما على الارهاب الى ان جاء ” بوش  ” وهاجم العراق وقتل أكثر من  150 الف عراقي  بريئ وفجر الكراهية المدفونة ، ولم نمتلك أ[داً أٍلحة دمار شامل كما زعم بوش وتشيني انذاك . ويواصل البوست على لسان صدام ” كما خال للحزب الديمقارطي أن يروج ” : اسألوا الآن من المستفيد الحقيقي من حرب الخليج الثانية ؟

 بات العراق بعد صدام يعرف معنى لكلمات من مثل العشائرية التي أصبحت هي القوة الثانية في البلد، والطائفية اصبحت سمة شائعة، حتى أن أي إنسان قبل أن يسال عن وظيفة الآخر، بات يسأل عن طائفته.

 

التباعد بين مكونات العراق صار كبيرا، والنسيج المجتمعي أضحى مفككا، ومشكلات البلد تهدد اليوم وحدته، فيما يفقد العراق موقعه الدولي بشكل متزايد، نتيجة فقدان الثقة بجدية مشروع الدولة  ونتيجة التدخلات الايرانية الفجة التي خلفت التدخلات الأميريكية بعد عام 2011 .

 

كثيرون ندموا على سقوط صدام عام 2003 لدرجة انه ووفقا لتقارير تردد معظم المكونات السنية والشيعية : تخلص العراق من ديكتاتور ظالم ، لكنه ابتلي بمجموعة ديكتاتوريين مستبدين  جلبتهم الولايات المتحدة الأكثر استبدادا  ثم سلمت العراق لايران على طبق من ذهب .

 

المدقق في المشهد العراقي اليوم يكشف عن أخطاء كثيرة ارتكبت عند إسقاط النظام العراقي قبل 12 عاما فلم يدرك المجتمع الدولي آنذاك الوضع المعقد للتركيبة الاجتماعية والسياسية في العراق وحدثت الفوضى الأمنية نتيجة تفكيك الجيش العراقي .

 

التغيير السياسي الذي جرى في عام 2003 لم يحظ برضا كثير من العراقيين والعرب ، بل أن عددا لا يستهان به من العراقيين يرون فيه سببا مباشرا لكل ما يجري اليوم ، ويصفونه بسياسة “المحاصصة البغيضة”.

 

ويرى اغلب مراقبي الشأن العراقي أن اشتداد حدة الخطاب الطائفي في العراق، وضعف أداء الحكومة ، والفهم  القاصر من قبل النخب السياسية للديمقراطية بات أهم ما يميز المشهد العراقي اليوم ، فلم تنقطع التفجيرات وعمليات القتل والهجمات ذات الطابع الطائفي منذ أنجز الانسحاب الأمريكي من العراق .

 

قد يعزو كثيرون العنف المتزايد في العراق إلى خلاف طائفي بين السنة والشيعة لأسباب تتعلق بانتقال السلطة عام 2003، فيما يرى آخرون أن السبب الرئيسي للصراع هو سياسي لا يتعلق بطائفة ضد طائفة ، بل هو يتعلق بالمصالح، وصراع المصالح يسبب زيادة قتل الناس وموت مئات العراقيين يوميا وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة ، هذا غير الجرحى والمعاقين الذين يخلفون هذه التفجيرات البغيضة .

 

المعارضة العراقية قدمت تسهيلات وتعاونت مع الأمريكان والبريطانيين لإسقاط ديكتاتورية صدام لكن العراق اليوم ما يزال أمامه تحديات كبيرة وهو يعاني من الإرهاب المتنامي ويواجه خطر التقسيم.

 

نار الطائفية تحرق هذا القطر الشقيق والصراعات السياسية مرشحة لكي تصعد به  إلى حافة حرب أهلية والنتيجة في النهاية واحدة .. انهيار دولة مسلمة وهو نجاح لمأرب استعمارية تغزى وتستهدف حرباً على الاسلام لتقطيع اواصر الهوية ومحاربة الأمة في واحدة من أثمن حبات عقدها اللولي .

محمد عبد العزيز

مدير تحرير صحيفة حماك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى