
د.حمد العصيدان :
بعد أقل من أسبوع، وتحديدا بعد 6 أيام من نيله البيعة، عمد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى ترتيب البيت السعودي الداخلي، فأصدر مساء الخميس الماضي عشرات الأوامر الملكية التي أحدثت تغييرات جذرية في البنية السياسية والأمنية للمملكة العربية السعودية، ما يشير بكل وضوح إلى رغبة الملك في النهوض بالواقع السعودي الذي يحتاج إلى مثل هذه النهضة منذ مدة.
فقد شملت الأوامر الملكية تغييرات واسعة في الوجوه السياسية من خلال الدفع بالكثير من الكوادر الجديدة إلى المناصب الوزارية لتحريك المياه الراكدة في مفاصل الوزارات وإيجاد توجهات جديدة تتوافق مع المرحلة الجديدة التي دخلت فيها المملكة، كما تضمنت الأوامر تغييرات في البنية الأمنية من خلال الدفع بقيادات جديدة تحمل أفكارا جديدة للعمل الأمني، في ظل ما يحيط بالمملكة من تحديات جسيمة جنوبا وشمالا وشرقا، وهو ما يحتاج إلى تعاطٍ جديد في المسألة الأمنية. ومما تضمنته الأوامر الملكية لخادم الحرمين الشريفين حركة إعفاءات وتدوير في مناصب أمراء المناطق، تتواكب مع التغييرات الوزارية لدفع العمل البلدي في طريق التطوير والتحديث.
ولعل المكرمات الكبيرة لخادم الحرمين الشريفين التي تضمنتها تلك الأوامر، أهم ما جاء ويتعلق بحياة المواطن السعودي بشكل مباشر، بدءا من صرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين وطلبة، ومتلقي المساعدات الاجتماعية، مرورا بالعفو الملكي عن الحق العام للمساجين وإسقاط الغرامات عنهم، وصولا إلى ضخ 20 مليار ريال سعودي في ملف الرعاية السكنية، مع التوجيه بالإسراع في تأمين الأراضي وإنجاز المشاريع الإسكانية، ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن جلالة الملك يعيش هموم المواطنين ويسعى في بداية عهده إلى التخفيف عنهم والعمل على تحسين الحياة المعيشية لهم بما ينعكس على المجتمع السعودي رقيا ونهضة مجتمعية واقتصادية.
كما لا يفوتنا أن نشير إلى ما تضمنته أوامر خادم الحرمين من تقديم مساعدة للأندية الأدبية والرياضية التي وصلت إلى مئات الملايين، بواقع 10 ملايين لكل ناد، وهذا بحد ذاته تأكيد ملكي على أهمية الشباب في المجتمع وضرورة توفير احتياجاتهم.
وقد قوبلت تلك الأوامر بارتياح شعبي واسع، لاسيما من نخب المجتمع التي رأت في الزج بالكفاءات الشابة إلى حمل الحقائب الوزارية خطوة موفقة وصائبة ستؤتي أكلها في المرحلة القريبة المقبلة، هذا من جهة،
ومن جهة ثانية، يؤكد مراقبون سياسيون أن السرعة في إصدار الأوامر الملكية، بعد أقل من أسبوع على نيل خادم الحرمين البيعة ملكا، هدفها العمل وبشكل فوري على ترتيب البيت السعودي من الداخل، ووضعه على السكة الصحيحة للتطور والحداثة، ليتفرغ الملك سلمان للملفات الخارجية، إقليميا ودوليا، لاسيما أن أمام المملكة ملفات ساخنة تجد نفسها أمامها وقد وضعت كل الآمال عليها كونها مركز الثقل العربي وقبلة الأنظار في التعاطي معها، ولعل الملف السوري يشكل التحدي الأكبر في ظل التراخي الدولي بالتعاطي معه، بينما تقف أزمة الأشقاء على أبواب عامها الخامس الشهر المقبل، وغير هذا الملف مما تشهده منطقتنا من أحداث، سواء في اليمن أو العراق أو حتى التدخل الخارجي السافر في شؤون مملكة البحرين الشقيقة.
ولعل الأحداث التي نتابعها اليوم تنبئ أن العهد الجديد الذي تشهده المملكة العربية السعودية سيحدث تغييرات كبيرة وحاسمة في كثير من الملفات الساخنة، في ظل معطيات حقيقية وقوية عن نشوء تحالف إقليمي كبير وفاعل ستكون المملكة مركزه ومحركه، لعلنا نتناول ذلك في مقال مقبل عندما تتضح بعض الخطوط الرئيسية لذلك.