
وعاشروهن بالمعروف
محمد رشيد العويد
من أبلغ التعابير الآمرة بالإحسان إلى الزوجات والرفق في معاملتهن ، والتودد إليهن ، والإشفاق عليهن ، والرحمة بهن قوله تعالى في خطاب الأزواج : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ النساء 19 .فهو خطاب جامع لكثير من المعاني ، حامل لدلالات متعددة ، تشير جميعها إلى حرص الإسلام على المرأة ، وإكبار شأنها ، ورعاية قلبها.
لقد وقف المفسرون ، أو كثير منهن ، طويلاً عند هذا الأمر الرباني العظيم ، وتحدثوا عن دلالاته ومعانيه .وأنقل هنا جانباً مما عرضوا له من هذه المعاني والدلالات ، ثم نقف عندها قليلاً :تزين لها كما تتزين لك,يقول القرطبي في الجامع لأحكام القرآن :
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة . والخطاب للجميع ، إذ لكل أحد عِشرة ، زوجاً كان أو ولياً ، ولكن المراد بهذا الأمر ، في الأغلب ، الأزواج ، وهو مثل قوله تعالى : فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفِ . وذلك توفية حقها من المهر والنفقة ، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب ، وأن يكون منطلقاً في القول .. لا فظاً ، ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها . والعشرة : المخالطة والممازحة ، فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن ؛ لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال ، فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش . وهذا واجب على الزوج ولا يلزم في القضاء . وقال بعضهم : هو أن يتصنّع لها كما تتصنع له .
قال يحيى بن عبدالرحمن الحنظلي : أتيت محمد بن الحنفية ؛ فخرج إليّ في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية ( نوع من العطر ) ، فقلت : ما هذا ؟ قال : إن هذه الملحفة ألقتها عليّ امرأتي ودهنتني بالطيب ، وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن . وقال ابن عباس رضي الله عنه : إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي .
خادم أو خادمان
استدل علماؤنا بقوله تعالى : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ على أن المرأة إذا كانت لا يكفيها خادم واحد أن عليه ( أي على زوجها ) أن يخدمها قدر كفايتها ، كابنة الخليفة والملك ، وشِبْههما ممن لا يكفيها خادم واحد . وأن ذلك هو المعاشرة بالمعروف .
وقال الشافعي وأبو حنيفة : لا يلزمه إلا خادم واحد ، وذلك يكفيها خدمة نفسها ، وليس في العالم امرأة إلا وخادم واحد يكفيها ، وهذا كالمقاتل تكون له أفراس عدة فلا يسهم له إلا لفرس واحد ، لأنه لا يمكنه القتال إلا على فرس واحد . قال علماؤنا ( والكلام للقرطبي ) : وهذا غلط : لأن مثل بنات الملوك اللائي لهن خدمة كثيرة لا يكفيها خادم واحد ؛ لأنها تحتاج من غسل ثيابها وإصلاح مضجعها .. وغير ذلك إلى ما لا يقوم به الواحد ، وهذا بيّن ، والله أعلم .
كان القوم يسيئون معاشرة النساء فقيل لهم : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، قال الزجاج : هو النصفة في المبيت والنفقة ، والإجمال في القول المعروف : أن لا يضربها ، ولا يسيء الكلام معها ، ويكون منبسط الوجه لها .
قوله تعالى : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أي طيّبوا أقوالكم لهن ، وحسّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم ، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله ، كما قال تعالى : وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ . وقال رسول الله : (( خيركم خيركم لأهله : وأنا خيركم لأهلي )) . وكان من أخلاقه أنه جميل العشرة ، دائم البشر ، يداعب أهله ، ويتلطف بهم ، ويوسعهم نفقة ، ويضاحك نساءه حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، يتودد إليها بذلك . ويجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها . وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كتفيه الرداء ينام بالإزار ، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام ، يؤانسهم بذلك .
أزواج لا يحسنون العشرة
وبعدفإن التأمـل في هذه المعاني والدلالات والتوجيهات المفهومة مـن الأمـر الإلهي الحكيـم : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، يظهر لنا أن الإسلام يحمي الزوجة من هؤلاء الأزواج :
1- الزوج العبوس ، مكفهر الوجه ، كثير تقطيب الجبين ، قليل التبسم ، الذي قلما يعرف البشر طريقه إلى وجهه .
لقد فهمنا من كلام المفسرين : أن مما تعنيه العشرة بالمعروف ( ألا يعبس في وجهها بغير ذنب ) وأن ( يكون منبسط الوجه لها ) ، ( دائم البشر ) .
2- الزوج الفظ ، المتشدد ، القاسي في لفظه وتعامله ، الذي لا يعرف لسانه كلمات المودة لزوجته .
وهو ما فهمناه أيضاً من كلامهم عن دلالات العشرة بالمعروف وأن منها ( أن يكون منطلقاً في القول … لا فظاً ) وأن يحرص على ( الإجمال في القول ) أي يختار اللفظ الجميل في محادثة زوجته ، ( ولا يسيء الكلام معها ) و ( أن يطيّب أقواله لها ) .
3- الزوج الذي لا يراعي مشاعر زوجته ، فيستهين بعواطفها ، ويثير غيرتها ، ويستخف بأحاسيسها ، ولا يرفق بها .
لأن مما تقتضيه العشرة بالمعروف أن لا يكون أمامها ( مًظهراً ميلاً إلى غيرها ) لأن هذا يؤذي قلبها ، ويـجرح إحساسها ، ويؤلم نفسها ، بل عليه أن يكون ( دائم البشر ، يداعب أهله ، ويتلطف بهم ، ويضاحكهم ، ويسمر معهم ) كما كان يفعل .
4- الزوج البخيل ، فليس من المعاشرة بالمعروف أن يبخل الزوج على زوجته ، ويضيق عليها في النفقة ، ويحرمها مما آتاه الله وتفضل به عليه .وهو أيضاً ما أشار إليه المفسرون في أقوالهم ( توفية حقها من المهر والنفقة ) ( والنصفة في المبيت والنفقة ) ( ويوسعهم نفقة ) .
5- الزوج الذي لا يهتم بنظافته وحسن مظهره ، فمن مقتضيات العشرة بالمعروف أن يظهر لزوجته بمثل ما يرغب أن تظهر له فيه .
وهو أيضاً ما أكده المفسرون : ( أن يتصنع لها كما تتصنع له ) ، ( إنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن ) ، ( إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي ) .
6- الزوج المثقل على زوجته بأعمال البيت ، المُرْهِق لها بالأعباء ، فإن من المعاشرة بالمعروف أن يحضر الزوج لها خادمة واحدة على الأقل ، كما أشار إلى هذا القرطبي في كلامه الذي سبق عرضه .
وهكذا يحرر الإسلام الزوجة من مختلف الأزواج الذين لا يحسنون العشرة بالمعروف … ! فأين محررو المرأة الذين أخضعوها لذل الحاجة ، ولفظاظة مديرها في العمل ، ولإرهاق مضن بها وبصحتها بالعمل خارج البيت وداخله ؟!!