
تخيّل نفسك وقد استيقظت في الصباح وإذ بك مرمي خارج بيتك، وقد استحله شخص آخر معه مجموعة من البلطجية، وهو أكبر حجماً وأكثر عدداً وأقوى عتاداً وقال هذا بيتي، وكل ما فيه ملك لي؟ هذا ما حصل معنا في الكويت بصورة مصغرة في الخميس الأسود، يوم غزو العراق للكويت. حرص الغازي خلالها على نهب الممتلكات وإضفاء الشرعية وإسكات كل صوت معارض لاحتلاله. قتل وعذب وانتهك الحرمات، نشر الرعب في أنحاء البلاد، حاول طمس المعالم وتغيير المسميات: المناطق – الشوارع – المستشفيات… عاش الناس في ضنك من العيش خلال سبعة شهور لا يعرفون أمناً ولا أماناً، الخارج من بيته مفقود، والعائد مولود. عرف الناس خلالها قيمة الحرية والعدالة يوم أن فقدوها. ثم منّ الله تعالى على البلاد بزوال ذلك النظام المجرم وزبانيته، ومنذ ذلك اليوم 26 فبراير 1991 والكويت تحتفل بمرور هذه الذكرى كل عام. من الجميل أن تتذكر في هذا اليوم نعمة وهبك الله إياها بعد أن كاد اليأس يدب في نفسك وقلبك من عدم تحقيقها وهي نعمة الحرية والأمان. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نحتفل بهذه المناسبة؟، وكيف نقابل هذه النعمة التي وهبنا الله تعالى إياها ؟ هل شكر الله تعالى يكون بارتكاب ما نهى الله تعالى عنه؟، هل الشكر يكون بالكفر؟ هل الشكر بأن أسلب نعمة الحرية من الآخرين بعد أن أنعم الله تعالى علينا بها؟ إن حقيقة الشكر تتمثل بالإكثار من أعمال الخير، وفتح الأبواب أمام المحسنين سواء من الأفراد أو المؤسسات أو اللجان لتمارس دورها التكافلي والخيري دون تضييق أو تحجيم. شكر النعمة يتمثل بإقامة العدل بين الناس، وأن يكون الناس سواسية أمام القانون، لا أن يطبق على قوم ويترك آخرون. شكر النعمة إنما يكون بالسعي الحثيث لتحكيم شرع الله في عباده، (الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) سورة الحج . شكر النعمة ليس بالاحتفالات الغنائية ولا بالاستعراضات المخالفة للشرع، ولا باختلاط النساء بالرجال. شكر النعمة ليس كما يفعل البعض بإيذاء الناس وتعطيل حركة المرور، والقيام بحركات بعيدة عن الذوق العام. من كانت الكويت عزيزة عليه، فليحافظ على ممتلكاتها فلا ينهبها، وليحافظ على استقرارها فلا يثير النعرات الطائفية أو الفئوية بين أبنائها. من يحب الكويت فعليه أن يقف في وجه المفسدين ولو كانوا أقرب الناس إليه، وليقل كلمة الحق وإن كانت في صالح خصومه (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى).
إن من النعم التي بدأنا نفقدها شيئا فشيئا هي نعمة حرية التعبير، والتي بسبب اختلافها مع بعض أصحاب القرار أصبحنا نجد أصحابها خلف القضبان.
لذلك نقول لقد ذقنا جميعا طعم الظلم، وسلب الحرية خلال الغزو العراقي، فلنقابل نعمة الأمان بألا نظلم، ونعمة الحرية بألا نقيّدها على الناس إلا بما يكون فيه تعدٍ على حقوق الآخرين.
أدام الله تعالى الأمن والاستقرار على بلادنا وسائر بلاد المسلمين.




