Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
حوادث وقضايا

الغوثٌ الإنسانيّ ومكيدة الهدنة!

عبد الناصر حوشان – محام وناشط حقوقي


تصاعد الحديث الدولي عن وجوب الضغط على الكيان الإسرائيلي للقيام بـ’’ هدنة إنسانيّة‘‘ في غزّة ،والذي تُقابله إسرائيل بمزيد من الإجرام و برعاية الدول الغربيّة التي تمانع وترفض وتساوم على ’’الهدنة‘‘ مقابل إطلاق الاسرى لدى المقاومة ، بالرُغم من توفّر كلّ أركان جريمة ’’ العدوان ‘‘ المنصوص عنها بقرار الجمعيّة العامة للأمم المتحدة رقم ’’3314‘‘ لسنة 1974 الذي عرّفه : بأنه ”استعمال القوة المسلحة من قِبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو أي وجه آخر لا يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة“، وتحدد الجمعية العامة في هذا التعريف مصطلح ”الدولة“ أنه يستخدم دون المساس بمسألة الاعتراف ولا بمسألة كون الدولة أو عدم كونها عضوًا في الأمم المتحدة، ويتضمن مفهوم ”مجموعة دول“ عند اقتضاء الحال. والذي يُعتبر من الجرائم دوليّة المنصوص عنها بالمادة ’’ 8 ‘‘ مكرر من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما تُشكّل الانتهاكات الخطيرة والواسعة للقانون الإنساني الدولي وعمليات القتل الجماعي والممارسة المتواصلة للتطهير العرقي جريمة الإبادة الجماعيّة المنصوص عنها بالمادة ’’6‘‘ من ميثاق المحكمة ، والتي تُشكّل تهديدًا للسلام والأمن الدوليين” وخرقًا للنظام العام الدولي.
وبالرغم من الحصار الذي ضربه الكيان منذ سبعة عشر سنة على غزّة والذي أدّى إلى عزلها وجاء العدوان الأخير ليأتي على حياة البشر والشجر وتدمير كل مقومات الحياة أو عوامل البقاء الأمر الذي يجعل من سكّان غزّة ضحايا جريمة مركّبة ’’ عدوان وإبادة جماعيّة وتطهير عرقي‘‘ الأمر الذي يوجب على المجتمع الدولي التدخّل لمنع هذه الجرائم ووقفها وحماية السكّان ، وتوفير الغوث الإنساني سواءً للجرحى أو المرضى أو للمدنيين وباقي الفئات المحميّة بموجب القانون الدوليّ الإنساني .
وبالرغم من أنّ القانون الدوليّ حظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، واعتبر أنّ تقديم الغوث الإنساني للسكان المدنيين المحرومين من الإمدادات الأساسية لبقائهم كالأغذية والموادّ الطبية من الواجبات الاساسيّة على الأطراف المتحاربة . وعدم جواز تدمير السلع الأساسية أو تمنع المدنيين من الحصول على مثل هذه السلع وخاصّة عندما يقع المدنيون أنفسهم في قبضة الطرف الخصم، والذي قد ينشأ عن احتلال الأراضي، أو كون المنطقة محاصرة، أو كون الأفراد معتقلين أو محتجزين. الأمر الذي يوجب على أطراف النزاع وكل طرف سامٍ متعاقد أن يسمح ويسهل المرور السريع وبدون عرقلة لجميع إرساليات وتجهيزات الغوث والعاملين عليها … حتى ولو كانت هذه المساعدة معدة للسكان المدنيين التابعين للخصم. ولا يحق للأطراف بأي حال من الأحوال، تحويل إلى أو تأخير وصول إرساليات الغوث ، بالإضافة إلى ذلك، يجب على أطراف النزاع ضمان حماية إرساليات الغوث وتسهيل توزيعها السريع .لم يقم المجتمع الدولي بواجبه وتحمّل مسؤوليّاته في التدخّل الإنساني لحماية سكّان غزّة مما اثبت تخاذله وتواطؤه مع الكيان وشراكته معه .
لقد أوردنا هذه الأحكام لتوضيح مكمن المكيدة والتآمر على اشقائنا في غزّة من خلال الدعوة الى الهدنة الإنسانيّة ورفض أي حديث عن وقف إطلاق نار أو تدخّل المجتمع الدوليّ للقيام بمسؤوليته في حماية المدنيين من جريمة الإبادة التي يتعرّض لها سكّان غزّة من خلال تحديد المصطلحات وبيان مدلولاتها وأبعادها :
الهدنة الحربيّة : هي اتفاق بين المتحاربين لوقف القتال لمدة معينة وينصرف أثر الهدنة إلى وقف العمليـات الحربيـة مـع الإبقاء على حالة الحرب وهو عمل حربي وسياسي، ومن مقتضياته عودة الحال الى ما كان قبل العمليّات الحربيّة ، ولا تتأثّر الحدود السياسية والجغرافيّة بخطوط الهدنة .
وقف إطلاق النار : هو اتفاق ينظِّم وقف جميع النشاطات العسكرية لمدة معيَّنة في منطقة معيَّنة. ويجوز الإعلان عنه من جانب واحد أو التفاوض عليه بين أطراف النزاع ، أو فرضه ضمن الإجراءات القسريّة من قبل مجلس الأمن الدوليّ تحت الفصل السابع ، باعتبار أنّ وقف إطلاق النار واجب في النزاعات المسلّحة لتمكين الأطراف من جمع وتبادل ونقل الجرحى والمرضى المتروكين في ميدان القتال، ورغم ذلك غالباً ما تستغلّه الأطراف في تحقيق أهداف عسكريّة استراتيجيّة مثل تجميع القوات، تقييم قدرات الخصم وسلسلة القيادة أو إجراء مفاوضات.
الهدنة الإنسانيّة : جرت العادة على أنّ الاعتبارات الانسانيّة تسقط اثناء النزاعات المسلّحة والحروب وتتحوّل القضايا الإنسانيّة ومنها عمليات الغوث الإنساني إلى أوراق تفاوضيّة في سياق وقف إطلاق النار حيث يتمّ استخدامها كورقة مساومة بين أطراف النزاع، للحصول على تسويات سياسية أو عسكرية أو لاختبار حسن نيات الخصم أو قدرته على السيطرة على قواته أو على منطقة معينة.
وفي حال خرق الأطراف المتحاربة المواثيق والمعاهدات الدوليّة و انتهاك قواعد القانون الدوليّ الإنساني و إصرارها على حرمان المدنيين والجرحى والمرض و منظّمات الغوث الإنساني و المنظومات الطبيّة والإنقاذ و الدفاع المدني وتهديد حياتهم ، أو حرمانهم من حقوقهم التي أقرّتها القواعد المذكورة فإنّ القرارات الدوليّة تؤكِّد على ضرورة القيام بعمليات إغاثة مكثفة في مثل هذه الأوضاع بسرعة بهدف التقليل من عدد الوفيات مع ضرورة تمكين المنظمات الدولية أو المنظمات غير الحكومية من أداء دور كبير وإيجابي في أعمال الإغاثة الأمر الذي يوجب على الأمم المتحدة التدخّل إمّا عن طريق الجمعيّة العامة تحت الفصل السادس أو عن طريق مجلس الامن الدولي تحت الفصل السابع لفرض ممرات آمنة لدخول ومرور ووصول وتوزيع الإغاثة الانسانيّة على مستحقّيها دون أي معوقات من قبل الأطراف المتحاربة و هو ما سبق و أن قام به مجلس الأمن الدولي في البوسنة والهرسك بموجب قراره رقم ’’ 770 ‘‘ لسنة 1992 الذي اعتبر أن الحالة في البوسنة والهرسك تشكّل تهديدا للسلم و الأمن الدوليين و أن توفير المساعدة الإنسانيّة في البوسنة والهرسك عنصر مهم في الجهود التي يبذلها المجلس من أجل استعادة السلم و الأمن الدوليين في المنطقة . وطلب الى الدول ان تتخذ على الصعيد الوطني أو من خلال الوكالات او الترتيبات الإقليمية جميع التدابير الضرورية التي تكف بالتنسيق مع الأمم المتحدة تسهيل المساعدة الإنسانية المقدمة من منظمات الأمم المتحدة الإنسانية ذات الصلة وسائر المنظمات الأخرى الى سراييفو وحيثما توجد حاجة الى هذه المساعدة في المناطق الأخرى من البوسنة والهرسك.
كما سبق أيضا وقام به في العراق بقراره رقم ’’ 688‘‘ لسنة 1991 الذي أصرّ فيه المجلس على أن يسمح العراق بوصول المنظمات الإنسانية الدولية على الفور الى جميع من يحتاجون الى المساعدة في جميع أنحاء العراق ويوفر جميع التسهيلات الالزامية لعملياتها.
واستخدم مجلس الأمن الدوليّ مفهوم ’’ الممرات الإنسانيّة ‘‘ دون التطرّق الى ’’ الهدنة الإنسانية ‘‘ في العراق والبوسنة والهرسك وراوندا وكثير من مناطق النزاعات المسلحة الدوليّة .
وعليه و استناداً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم ’’808 ‘‘لسنة 1993 الذي يؤكِّد على أن الانتهاكات الخطيرة والواسعة للقانون الإنساني الدولي وخاصة عمليات القتل الجماعي والممارسة المتواصلة للتطهير العرقي، تُشكل “تهديدًا للسلام والأمن الدوليين” و خرقًا للنظام العام الدولي وبالتالي فإنّ جرائم الإبادة و الجرائم ضد الإنسانيّة و جرائم الحرب الأخرى بحق سكّان غزّة تُشكّل تهديداً للسلم والأمن الدوليين وهي نفس المعايير التي دفعت المجلس لإصدار قرار التدخّل في الحرب اليوغسلافيّة لحماية سكّان البوسنة و الهرسك وفرض ممرّات انسانيّة تحت الفصل السابع بموجب قراره المذكور أعلاه .
فإنّ ‘‘ الغوث الإنسانيّ‘‘ لا يخضع للمساومة ولا المقايضة ولا الابتزاز وإنّما هي واجب قانوني ملزم بموجب المادتين’’ 70 و71 ‘‘ من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والسارية على النزاعات المسلحة الدولية، وفي المادة ’’18 ‘‘ من البروتوكول الإضافي الثاني السارية في النزاعات المسلحة غير الدولية وقواعد القانون العرفي’’ 32 و53-56‘‘ وهذه القواعد، ملزمة لجميع الأطراف في النزاع، حتى لو لم تكن موقعة على الاتفاقيات، والتي تتضمن جماعات مسلحة من غير الدول ، لضمان حقّ المدنيين بالحياة و حق الجرحى والمرضى و البقاء على قيد الحياة ، وبالتالي فإنّ وضع أيّ شروط على جانب المقاومة يفقد ’’ الغوث الإنساني‘‘ معناه ويحوّله من واجب قانوني و إنساني مُلزم إلى ملف تفاوضي ’’ الاسرى مقابل الغذاء ‘‘ ، و بالتالي فإنّ تمرير هذه المعادلة يُعتبر جريمة بحقّ الفلسطينيّين في غزّة وجريمة التواطؤ مع العدو الصهيوني فيها لكل من يساعده أو يشاركه فيها ، وبما أن مجلس الأمن الدوليّ لم يقم بواجبه وتحمّل مسؤوليته في حفظ السلم و الامن الدوليين و حماية سكّان غزّة من جريمة الإبادة ووقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، و فرض ممرّات آمنة لدخول و مرور وتوزيع ووصول الغوث الإنساني في غزّة ، فإن كل من يُعطّل عمل المجلس بالفيتو يُعتبر شريكاً في هذه الجرائم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى