

خالد القحص:
المؤسسات الإعلامية مهمتها الأساسية هي جمع المعلومات وصياغتها ثم بثها ونشرها للجمهور، هذا بالاضافة الى الترفيه والتوعية والتعليم.لكن تبقى المهمة الرئيسة هي في نشر المعلومات والأخبار، والتي هي متنوعة من السياسية والاقتصادية والرياضية والاجتماعية والصحية والعلمية والدينية والفنية وغيرها من أنواع المعلومات التي يهتم بها الجمهور ويحرص على متابعتها.وحين يتعلق الأمر بخبر رياضي أو فني بسيط، لا يغدو الأمر مهماً كثيراً بالنسبة للضغوط التي تتم مارستها على المؤسسة الاعلامية في هذا الشأن، لأن الخبر «خفيف» وليس له تداعيات خطيرة، فحينما يأتينا خبر فوز فريق برشلونة على ريال مدريد، فهذا خبر خفيف ولطيف ولا يمكن منعه أو التعتيم عليه أو تحويره أو تغييره، نعم ربما يختلف في تفسير هذا الفوز من قبل المتعاطفين لأحد الفريقين، لكن في النهاية يظل خبراً خفيفاً.
تأتي المشكلة، وتأتي معها الضغوط، حينها يكون الأمر له تبعاته السياسية أو الاقتصادية وحتى الاجتماعية، فحينها تحرص القوى النافذة في المجتمع (عالم السياسة والاقتصاد) على ضمان عدم نشر ما من شأنه ان يؤثر فيها سلباً، بغض النظر عن مصداقية الخبر من عدمها المعرفة قوة، وكذلك المعلومة التي تبثها القنوات الاخبارية، لذا تحرص القوى المجتمعية النافذة في أي بلد على التحكم بالمؤسسات الاعلامية (خاصة الاخبارية منها)، حتى تتحكم بالمعلومة التي تصل الى الجمهور، وبالتالي تتحكم بتشكيل وصياغة اتجاهاته وآرائه ازاء القضايا المهمة، لضمان ان يفكر افراد الجمهور بطريقة تقترب من تفكير السلطة أو قوى النفوذ في المجتمع.وهنا نقولها بصراحة إن الغلبة والتحكم هي لرجال السياسة والاقتصاد في بلداننا العربية (وحتى العالم بأسره)على ما يتم نشره في وسائل الاعلام الاخبارية من صحف وقنوات تلفزيونية واذاعية.لقد أدرك خبراء السياسة في العالم أن المعلومة التي تصل الى الجمهور لها خطورتها الكبيرة على المدى البعيد لأنها تشكل مواقف الجمهور مستقبلاً، وبحسب نوع المعلومة وطبيعتها وحجمها، بحسب ما يتشكل من مواقف وآراء، وعليه فالطريقة الوحيدة أو على الأقل المؤثرة لضمان التحكم بطريقة تفكير الجماهير والرأي العام، تكمن في التحكم بشكل مباشر (بالملكية أو بالتأثير) في المؤسسات الاعلامية، خاصة الاخبارية منها.ان الجمهور العام في اي مجتمع يعتمد على وسائل الاعلام لكي يحيط بكل ما يحصل من حوله من أحداث، ليستطع بعدها بناء مواقفه، والجمهور بشكل عام ليس كله نشطاً واعياً يبحث عن المعلومة بنفسه ويقارن بين معلوماته، ويستخدم عقله بطريقة تحليلية ونقدية، لا ليس الأمر هكذا، فأغلب الجمهور الاعلامي يعتبر جمهوراً سلبياً حينما يتعلق الأمر بالمعلومات التي يتلقاها عبر وسائل الاعلام، وبالتالي يسهل التأثير فيه، خاصة اذا لم يكن له مصادر أخرى يستقي منها المعلومة.
انظروا مثلاً لما حصل ويحصل في اليمن، ولما يحصل الآن في عين العرب (كوباني)، والغارات التي تتم على مواقع تنظيم الدولة الاسلامية (بل حتى فكرة داعش نفسها)، نحن كجمهور اعلامي ليس لنا القدرة عل الذهاب للمناطق الساخنة لكي نرى بأنفسنا ما يحصل هناك، وحتى لو ذهبنا، فلن ندرك جيداً تفاصيل ما يحصل هناك، وبالتالي نجلس هنا في بيوتنا نشاهد ما يحصل هناك من خلال ما تراه القناة الاخبارية التي نتابعها.وبحسب مواقف القناة الاخبارية، بحسب ما تتشكل مواقفنا من جراء ما نشاهده من أحداث ومواقف.ان رجال السياسة يدركون هذا الأمر جيداً، بالتعاون مع العاملين بالمؤسسات الاعلامية، وبالتالي هم من يتحكم بالقصة، وبما يتم جمعه من معلومات، وبما تتم صياغته من معلومات وبالمصطلحات المستخدمة، وبمقاطع الفيديو التي تم استخدامها أو التي تم حذفها، ويتحكمون بحجم الخبر وطبيعته، وهل يتصدر النشرة أم يتأخر في الترتيب، وهل تعطى تغطية شاملة للخبر، أم مجرد خبر قصير وينتهي الأمر.أساليب كثيرة يستخدمها الاعلاميون العاملون في المجال الاخباري لكي «يصنعوا» الأخبار ولكي «ينتجوها».هدفي من هذا المقال هو ان يكون المشاهد ذكياً بما يكفي لأن لا يصدق كل ما يراه أو يقرؤه أو يسمعه، لأنه ليس بالضرورة ان هذا ما حصل فعلاً، بل هذا ما تعتقد القناة الاخبارية أنه حصل.ما نراه على شاشات التلفزيون هو الواقع بعيون القناة أو الصحيفة أو المحطة الاذاعية.انه ليس الواقع الحقيقي للأحداث، بل رؤية شخص آخر للواقع، والذي يتم أحياناً تزييفه أو فبركته تماماً.السياسة لا تتحكم بالاعلام، السياسة تمتلك الاعلام، وتقود الاعلام، وتوجه الاعلام، والذي بدوره يوجهنا ويقودنا.الاعلام ليس منزهاً أو بريئاً، وليس دوره مجرد ناقل بل له دور يقوم به، وهذا ما يفعله تماماً هذه الأيام.