آراءدولي

الكندري :«داعش»… وقوارب الموت!

عبد العزيز الكندري :عبد العزيز الكندري

بث تنظيم «داعش» مقطع فيديو أثناء قيام أنصاره له بحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، والذي يمثل قمة التوحش والنفور من هذا الفعل الشنيع والذي يمثل تجرد فاعليه من القيم الإنسانية، ولكن كعادة العقليات العربية بدأت تشكك بالفعل وأن التصوير يحتاج محترفين و«داعش» لا تملك كل هذه الإمكانات، وأنها مؤامرة وما زلنا نسمع ونقرأ العجائب من تبرير هذا الفعل من بعض الناس، وشعارهم خلف كل فعل مؤامرة وأجهزة مخابرات.

من يقف ضد النظام السوري يتهمه أنه هو من قام بصنعهم، والذي يدعم النظام السوري يقول إن بعض أجهزة المخابرات هي التي تقف خلفهم، وأصحاب نظرية المؤامرة يقولون إن الأنظمة الغربية هي التي قامت بصنعهم من أجل الهيمنة والحد من انتشار الإسلام… ولكن لا يعني من المستفيد أن يكون هو الفاعل، والجميع يتحدث ويحلل ولكن من باب المصلحة وليس الموضوعية.

لا تنظيم القاعدة ولد اليوم، ولا ابنها الشرعي الشرس «داعش» ولد قبل سنوات قليلة، ولتحليل المشكلة الداعشية علينا أن ننظر إلى أصل المشكلة وجذورها والتي تعود إلى قبل سنوات طويلة، ولا ننسى أن قوارب الموت اليومية والتي تبحر من العالم العربي إلى أوروبا في كل يوم، هي مدخل آخر لتفسير هذه الظاهرة، وهي فشل الدول في حل المشاكل المزمنة خلال سنوات مثل البطالة والمواطنة والفقر وشراء ذمم بعض الإعلاميين وبعض مشايخ الدين لتمجيد الحالة العربية المستعصية بعيدا كل البعد عن الواقع.

فتخيل إنساناً عاش سنين في حكم البعث العراقي لا يستطيع أن يفتح فمه إلى عند طبيب الأسنان، ثم عاصر زمن القتل على الهوية، من دون تعليم أو وظيفة، وهو يرى ويسمع التجاهل الدولي عما حدث ويحدث اليوم في سورية ويوميا تسقط البراميل المتفجرة على رأس ساكنيها، وفي ظل عدم ذكر أو إدانة تدخل «حزب الله» في صف النظام السوري من قبل المجتمع الدولي، وتركه سنين يقتلهم بكل سادية وعنف، ماذا تتوقع أن تكون ردة فعله؟!

إن «داعش» تعيش في الفجوة التي أحدثتها فشل الدول في حل المسائل الشائكة والكبيرة. ويقول المفكر عزمي بشارة: «من يريد أن يشرح ظاهرة (داعش) لا بد أن يفهم ما جرى في العالم العربي في العقود الأخيرة، فقد نمت في زواياه المظلمة، وساحاته الخلفية، وعلى تخوم الكوارث والمناطق المنكوبة، ووجد من استثمر هذه الحركات واخترقها واستفاد منها. ولكن تشخيص المتضرر والمستفيد لا يفسّر بيئتها ومنشأها وديناميكيتها الداخلية ومصادر قوتها وضعفها. إنها نفس المجتمعات التي أنتجت شباناً يبحرون في قوارب الموت المتهالكة، من جنوب المتوسط إلى شماله، هرباً من اليأس».

أن تكون قويا في هذا العصر فليس معنى ذلك أنك ناجح، نشاهد الحوثي يسيطر على مقدرات اليمن ولكن هل يستطيع أن يسير الحياة اليومية؟، «حزب الله» في لبنان دولة داخل دولة ولكن هل هو قادر على إيجاد فرص عمل وتحسين حياة اللبنانيين؟، في العراق ميلشيات قوية مدعومة ولكن ماهي النتيجة؟… خروج تنظيم «داعش»، والأمثلة تطول في العالم العربي من المشرق إلى المغرب.

ولكن هل هناك حل؟، نعم هناك حل وهو التفكير بروح العصر، احترام كل مكونات المجتمع على اختلاف دياناتها وأشكالها ومذاهبها، مكافحة الفساد المستشري بالعالم العربي، وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وإيجاد وظائف مناسبة للشباب، والعدالة الاجتماعية، تخيل أوروبا قبل 50 عاماً تتقاتل، وهي اليوم تعيش متصالحة مع نفسها وشعوبها وهذه آية من آيات هذا العصر، أما نحن المسلمين فمازلنا نستذكر خلافاتنا التي كانت قبل أكثر من 100 عام ونذكيها في ما بيننا ونربي أبناءنا على الانتقام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى