

عبد الرحمن المسفر:
«ستظل الأمتان العربية والاسلامية أسيرتين لقوى النفوذ مالم تغيرا من نهجهما وخطابهما» – من وحي الواقع-
لن أخوض طويلا في حكاية داعش: هل هي من صنيعة أمريكا والغرب أم من نسج أيدينا؟! ولكنني أميل الى القول الذي يذهب الى كون داعش مفبركة من بعض أجهزة المخابرات العالمية بارادتنا وربما بغبائنا، وأجدني متقبلا على حذر لاستنتاج مفاده: ان أمريكا وبعض الدول الأوربية نجحوا في تجميع المتطرفين دينيا في سورية والعراق ليتيسر على تلك القوى الاجهاز على ذوي الرايات السوداء حماية لأمنهم القومي وتطهيرا لبلدانهم من خطر التطرف.
لا يعنيني هنا البحث عن اجابات شافية لأسئلة من قبيل: كم عدد مقاتلي داعش؟! ومن يمدهم بالسلاح؟! وكيف تكونت وحداتهم القتالية؟! وهل هم على حق أم باطل؟!، فنحن قد تبنينا رأيا في مستهل المقال قد يكون صائبا وقد يكون خاطئا، وما يهمني حقيقية أمرين في غاية الخطورة: الأول ويتعلق بتنامي أعداد المتطوعين في صفوف داعش ومن بينهم أبناؤنا في الكويت الذين وصل عددهم الى 200 مقاتل بحسب ما ذكرته بعض الصحف المحلية، والثاني يتصل باستغلال قضية داعش لتشويه صورة الاسلام كدين سماوي عبر بث مقاطع فيديو لأعمال قتل وحشية تنسب الى عناصر داعشية.
ثمة أسباب عديدة ومتشابكة تجعل من فكرة الجهاد تحت رايات داعش أمرا واجبا لدى المتطوعين من أصقاع المعمورة وبخاصة في عالمنا العربي من أبرزها: الفهم المغلوط لجوهر الجهاد وموجباته وكذلك ما يحتشد في ذاكرة الشخصية العربية على اختلاف جغرافياتها من نكبات الماضي وآلامه اضافة الى ضعف أجهزة الفتوى العربية والخليجية في بلورة موقف مؤصل شرعيا وواقعيا وأخيرا الاخفاق في وضع المواطن العربي في دائرة الحدث وفتح الأبواب على مصراعيها لأجواء محايدة من الرصد والمتابعة والتحليل، وكل ذلك ولد قناعة راسخة في أذهان ألوف من المغرر بهم للقتال بجانب من يطلقون على أنفسهم بدولة الخلافة الاسلامية، وهم أبعد ما يكونون عن ذلك، فمن شد الرحال مجاهدا في صفوف الدواعش أخطأ في الوجهة ولم يفلح في اختيار القوم.
هناك من ينظر الى التعمد في خلق نموذج «داعش» على أنه شكل معاصر للحرب على الاسلام وتشويه صورته، ويستشهد هذا الاتجاه بما حدث عقب أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة من تفجير البرجين، وما تبع ذلك من حملات هجومية على «صورة العنصر المسلم» فضلا عن الاجراءات الأمنية والعقابية التي استهدفت من يقع في دوائر الاشتباه حتى وان غابت الأدلة والقرائن، وثمة ومن يعتبر ان الأمتين العربية والاسلامية تحويان في الأصل دواعش متطرفين فكريا ودينيا وسلوكيا، ولكن تفجر الأوضاع في العراق وسورية أخرج لنا الدواعش على حقيقتهم، وحينما ظهرت سلوكياتهم الميدانية وجد فيهم الاستعمار غايته ومراده.
لماذا يذهب أبناؤنا الى أحضان الدواعش على الرغم من شدة الحملة الاعلامية والعسكرية الموجة الى فكر ومعاقل داعش؟! السبب يكمن في قصور مؤسسات الدولة الدينية والاعلامية والأمنية في دراسة دوافع الرحيل للجهاد والايمان بمعتقدات داعش ووضع الحلول العملية التي تحد من الانزلاق في دروب فزاعات الجهاد، وعلى هذا الأساس، لابد من اعادة تقييم جهود الدولة في مقاومة الفكر الداعشي والحيلولة دون استيطانه البيئة الكويتية وتأثيره على الأمن الوطني.
أما الحرب الاعلامية على الشخصية الاسلامية في وسائل الاعلام الأمريكية والغربية فهي قديمة وذكية ومتطورة، ومن منا يجهل كيف تقترن صورة المسلم بالارهاب والوحشية والانغلاق الفكري والرجعية والانحطاط السلوكي والأخلاقي، والحق ان أمة الاسلام تتحمل جانبا من هذا التشويه لأسباب من أهمها: تقديم النموذج السيء على المنابر الدينية والاعلامية لتمثيل الاسلام، ضعف الاهتمام في تمويل المشاريع الاعلامية الاسلامية الهادفة، الاخفاق في اظهار سماحة الدين ووسطيته في وسائل الاعلام العربية والاسلامية، عدم الاحاطة بالفنون الاعلامية والتمرس على اتقانها بغية التأثير والاستمالة.
ان ما نعانية في اطار حدودنا الجغرافية العربية والاسلامية يتجاوز قضية داعش وما سواها من فقاعات طارئة يهيؤها العدو أو تتداعى أيادينا في صنعها الى ما هو أكبر من ذلك، انها باختصار شديد أزمة نهج وخطاب وعقل، وما نحتاجه في هذه المرحلة الاستثنائية هو اقتلاع جذور التطرف الديني والفكري عبر الحوار والاقناع وليس القمع والارهاب، وذلك لعمري سيكون العلاج الناجع لأشد أمراضنا.
أخيرا: الى من يصيحون على المنابر الدينية وفي وسائل الاعلام: تموت أمريكا واللعنة على الغرب.. نسألكم بالله: هل صنعت أممكم قطارا أو سيارة أو جهازا لاحتساء الشاي؟!.. حاربوا أمريكا وغيرها بانجازاتكم كي تموت حقا!!!
المصدر: الوطن.