آراءدوليصورة و خبر

المطوع يكتب: الإسلاميون والديمقراطية

الاستاذ/ مبارك المطوع

بقلم : المحامي مبارك المطوع

(حقيقة أم رياء)

انتشرت الديمقراطية كمبدأ في عالمنا العربي ـ وتبنتها الأنظمة والدساتير وتكرست كحقيقة واقعة نظريا وعلميا بغض النظر عن الاختراقات ومن المستفيد ؟ وسوء الممارسات التي تتم من وقت لآخر ومكان لآخر وربما لم تجد فئات وكثير من الشعوب مشكلة بحيث فهمها وطبيعتها الفكرية في قبول المبدأ لكن المشكلة تظهر وتتفاقم عند الإسلاميين الذين اتخذوا من الإسلام عقيدة ومبدأ ومنهاج حياة .

ويتجلى ذلك في كثير من الحركات أو التحركات الإسلامية من مشرق العالم الإسلامي إلى غربه .

كما أنه قد تتسبب مشاكل وصراعات تتحول إلى مواجهات دموية بسبب هذه الديمقراطية .. كما يحدث في الجزائر مثلا أو يحدث في مصر أو تركيا أو باكستان وغيرها .

والمشكلة بالنسبة للاسلاميين تكمن في عدة اعتبارات نذكر منها :

مدى توافق الديمقراطية مع الإسلام عقيدة وفكرا وقولا وعملا أي روحا ونصا وهذه مسألة خلافية لا يمكن الجزم فيها حتى الأن ماهو الرأي الراجح .

ما مدى فهم وعلم الحركات الإسلامية ـ بالديمقراطية علما ومنهجا وتجربة ..

ماهي مزايا ومحاسن هذه الديمقراطية التي يجنيها الإسلام والمسلمون وماهي مساؤها ومثالبها وعيوبها التي تعود بالضرر على الإسلام والمسلمين وهذا في تقديري أمر تعجل فيه المسلمون ولم يتوصلوا إلى إجابة قاطعة بعد .. وما توصلوا إليه هو من وجهة نظر شخصية للمجتهدين ولا يمكن الاعتماد عليه في وضع تصور كامل شامل للديمقراطية وفهم دقيق لها حتى يمكن الحكم عليها شرعا ” لان الحكم على الشيئ جزء من تصوره “

والسؤال عن المحاسن والمساوئ أو الفوائد والمضار هو من قبيل البحث في المصالح كأحد مصادر التشريع في الشريعة الإسلامية وهنا ينبغي مراجعة كل الممارسات الديمقراطية ومقارنتها بالأنظمة الأخرى وحال الأمة قبل العمل بالديمقراطية ليتعرف أيهما أفضل ـ كما تعرف كيف كانت تعيش الأمة قبل العمل بالديمقراطية ..

كما ينبغي السؤال عن ما تجره هذه الممارسات الديمقراطية في تحولات جذرية في المجتمع قد نفقده بعد ذلك الهوية الأصلية ..

إذا فقد المجتمع هويته أو هوية السلطة التي تمثله على الأقل فيجب النظر إليها أيضا من منظور إسلامي .. والحكم عليها بالحكم الشرعي في ضوء ونصوص الكتاب والسنة والاجتهاد ..

وليس المعني بالسلطة التي تمثل الشعب هو البرلمان أو النواب وحسب بل يمتد ذلك للسؤال عن الحكم الشرعي في السلطة الحاكمة التي أوجدت الديمقراطية وسيلة للعمل بها والحكم .. وعملت بالديمقراطية ..

فينبغي التصدي لهذا الواقع المعتقد كله بالبحث الشرعي والاجتهاد والحكم القاطع ما أمكن إلى ذلك سبيلا وهذا لعمري الذي ينتقص الحركات أو التحركات الإسلامية منذ بداية تكوينها .. فكثير فيها لا يعرف الحكم الشرعي أو لا يجد لديه أو لم يتوصل إليه ولم يكلف نفسه عناد البحث عن الأحكام الشرعية السلمية أو الراجحة في كثير مما يدور حولنا هذه إلا في أمور الحياة والسياسة بالأخص .. ربما بعضهم ليجنب نفسه مغبة المواجهات التي قد تنجم مع السلطة والقوى  الحاكمة وربما بعضهم يؤجل هذه المواجهة تأجيلا ويخفي بذلك الأحكام أو لا يرغب في إعلانها والبحث فيها ..

وربما بعضهم يجد نفسه مستفيد مؤقتا من هذه الأجواء التي تنتجها السلطات في ظل هذه الأنظمة التي تتخذ من الديمقراطية شعاراً أو مجالاً للممارسة السياسية .

وبذلك لا يجد حاجة لبحث هذه الأحكام الشرعية ولو صدرت عن بعض المجتهدين فيجدها مجرد أقوال أو مقالات أو كتب تزيد من حجم المكتبه كتابا ولا مجال لبحثه أو تطبيقه في الواقع العملي ..

الأدهى من ذلك .. أنه ليس فقط أن ثمة حركات إسلامية لا تريد إثارة الحكم الشرعي ولا تبحث عنه فيما يدور حولها .. من أنظمة وممارسات وأفكار الأدهى أن ثمة حركات لا تعرف الحكم الشرعي في نفسها وفي حكم وجودها وحكم ممارستها لنشاطها وحكم هذه الأنشطة بحسب نوعه فلو كان خطبه جمعة فهي حلال أو محاضرة أو ندوة .. ولكن ماذا لو كان تأسيس حزب ووضع فلسفة ودخول انتخابات ثم مواجهة مع السلطة ومقاومة بالطرق الممكنة وحدود هذه الإمكانية ولو تطاولت  السلطة على حريات أفراد الجماعة وأمنهم وسلامتهم وقوتهم وأعراضهم .

سوف نجد التباين واضح في الأحكام الشرعية سنجد كثير من الحركات تحجم عن طرق هذه المواضيع أو البحث فيها ولا نجد عندها جوابا وكأنها لا تملك حكما شرعيا وهي تطالب بتحكيم شرع الله في كافة شئون الحياة وكأن شئون الحياة عنها اقتصرت على المواريث والأحوال الشخصية وحيض المرأة ونفاسها ..

ربما كان من بين هذه  الحركات ما يخفي في طي أدبياته أمورا أو أنه يتراءى في أمور ظاهرة ويخفي ما هو أعظم لكن هل ينطلي على السلطات ذلك وهي التي تأخذ الإنسان بالشبهة لانها مكلفة بحماية أنظمة قائمة ..

إن ما سبق ذكره استطراد سريع لذكر معضلة قائمة ومدفونه بين جنباتنا وربما ظهرت منا وقت لأخر في أمكنة متفرقة في العالم وحتى عوالم غير إسلامية في صورة احتجاج على الديمقراطية وأساليبها ..

إن العالم كان يتوسم في هذه الديمقراطية الانقاذ والحل لما يعانيه والعدل النظام وإذ بها مجرد وسيلة لوصول عناصر أو قوى ليست ديمقراطية أو متسلطة ظالمة محابية ولكن بوسائل تدعي أو تظهر على أنها ديمقراطية .. ولكن العبرة بالنتائج ومن وصل ..

وبالمقابل فإن هذه الوسائل الديمقراطية قد توصل إلى سدة القرار والسلطة من يرغب بهم الشعب ولكن لا يرغب بهم أصحاب القوة والنفوذ والغلبة وهم عادة الذين يحكمون ويملكون القوة وسلطة القرار ، فإن هذه القوات عادة ما تسقط النتائج الديمقراطية وتلغيها مهما كلف ذلك من ثمن لأن أصحاب الحق والنتائج سيدافعون عنها كحق لهم وهنا تموت المواجهة وإن أحداث الجزائر شاهدة على ذلك كذلك في تركيا .. ومن قبلها دول كثيرة تدعي الديمقراطية وتعمل ضدها وكم ذهب ضحية لهذا التعدي إناس أبرياء يعدون بالآلاف .

فالأمر إذا ليس ترفا فكريا أو مجرد تنظير وفكر بل هو معضلة حقيقة وأزمة واقعية ومواجهات محتملة قد تتصاعد فجأة تارة وتخبوا تارة أخرى بحسب السياسة القائمة في طرح النهج الديمقراطي في كل موطن ..

 ولكنها بالنهاية تصدر من معنى واحد .. وربما تتلقى الفلسفة والتعليمات والسياسات من توجه واحد .. وإذا كانت هذه الأمة تدين بدين واحد فإنه من المفروض أن يكون رد الفعل أيضا واحداً ولو اختلفت درجاته وإشكاله وهو  الرفض والبحث عن البديل ..

وإذا كان الرضا بالديمقراطية وقبولها شعوبا وأنظمة حكاما ومحكومين جاء من منطلق أنها أفضل السبل لاحقاق الحق وإرساء العدالة في الحكم والمشاركة الشعبية فيه نظم الممارسة السياسية للشعب فإن البديل لابد وأن يكون بذات القدر من  المزايا وهنا عادة ما تطرح الشوري كرديف أو مفهوم مرادف للديمقراطية من منطلقات إسلامية وعادة ما تقبل الديمقراطية على أنها نوع من الشورى المتخذة من الإسلام .

لكن في تقديري أجد أن الشورى قد غبنت بمقارنتها بالديمقراطية أو مساواتها بها .. وكان الأجدر بعلماء المسلمين أن يضعوا معالم واضحة ومفاهيم محددة للشورى كنظام سياسي قامت عليه أمتنا الإسلامية قرابة أربعة عشر قرنا قبل أن تمارس شيئ أسمه الديمقراطية بمفهومها الحديث ومصطلحها الجديد على الأمة .

 وهذا ما أدعو إليه في هذه العجالة والاستطراد السريع والمشكلة التي تدعوني لأن أقسم النظر في هذا الأمر إلى أقسام تنطلق من مفهوم الديمقراطية ـ ومفهوم الشورى قديما وحديثا .. وتضع الحركات الإسلامية بل الشعوب والأنظمة أمام مسئوليتها وممارستها الديمقراطية من منظور إسلامي ..

 

                                                                   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى