آراءدوليصورة و خبر

المطوع يكتب / الإعلام المُجرَّم في أيدي مُجرمين

بقلم / الشيخ مبارك سعدون المطوع

في زمنٍ تتشابك فيه الأصوات وتتعدد فيه المنابر، لم يعد الإعلام مجرد وسائل متخصصة في نقل الخبر، بل أصبحت سلاحًا يُشهَر بيد من يملكه، ومرآة تعكس حقيقة من يصنعه، ولعل أخطر ما نواجهه اليوم في العالم العربي والإسلامي هو ما أسميه “الإعلام المُجرَّم في أيدي مُجرمين”؛ ذلك الإعلام الذي جاءنا من وراء البحار، من مصانع سياسية وإيديولوجية لا ترى في الشرق إلا مادة للتشويه، وفي الإسلام إلا عنوانًا جاهزًا للاتهام.
هذا الإعلام الذي أتكلم عنه ليس مجرد قناة أو وكالة، بل منظومة كاملة جاءت إلينا من الغرب، متقنة الصنع، قوية النفوذ، تحمل معها رواية جاهزة عنّا، رواية يريدد منا هذا الإعلام أن نصدقها حتى دون أن نشعر.
لقد صاغت هذه الوكالات العالمية الكبرى خطابًا ممنهجًا أرادت لنا أن نتقبله كحقيقة لا نقاش فيها، العرب إرهابيون، والمسلمون خطر، وقيمنا تخلّف، بينما الحقيقة التي يعرفها كل منصف هي أن الدين الإسلامي الحنيف هو دين السماحة والرحمة، دين العفّة والعدل، دين “لا إكراه في الدين”.

الإعلام الذي اتحدث عنه والذي يعمل وفق منظومة متكاملة لم يكتفِ بالتشويه؛ بل تغلغل إلى حياتنا اليومية، كعرب ومسلمين ودخل إلى بيوتنا، إلى هواتفنا، إلى تفكير أطفالنا، إلى طريقة رؤيتنا لأنفسنا وللعالم، عمل هذا الإعلام المشوه للحقيقة لفصلنا عن ماضٍ مشرّف كان يزخر بالعلم والنور والهداية، وقطع صلتنا بحاضر كان من الممكن أن يكون أكثر وعيًا وصلابة لو لم تُزرع فينا بذور الشك والخوف.

لقد دُفعنا هذا الإعلام الموجه وبسبب ضعفنا وعدم وحدة صفنا ومن خلال ماكينة إعلامية ضخمة لا تهدأ ـ إلى العيش في دوّامة لا تنتهي من الأزمات نخرج من مأساة لنقع في أخرى، ونستيقظ على خبر يجرّنا إلى آخر أشد وقعًا والمًا، حتى كدنا نفقد القدرة على التقاط أنفاسنا وسط زحمة التوترات.

ومع ذلك، يبقى الأمل معقودًا على يقظة الوعي للعالمين العربي والإسلامي فمسؤوليتنا نحن أبناء هذا الدين الحنيف، وحملة هذه الرسالة السامية أن نعود إلى جوهر الرسالة الإسلامية الحنيفة، رسالة العدالة التي ترفع المظلوم ولاتنصر ظالم، ورسالة الأخوّة التي تجمع ولا تفرّق، ورسالة الكرامة التي تحمي الإنسان حيثما كان.
إن العودة إلى هذه الرسالة النبيلة ليست شعارًا يُرفع، بل فعل علينا القيام به لاستعادة البوصلة المفقودة؛ لكي نعود ونرى أنفسنا كما نحن، لا كما يريد الآخرون أن نُرى. أن نبني إعلامنا بأيدينا، ونروي قصتنا بعيوننا، ونستعيد سرديتنا التي سعى كثيرون لخطفها وتشويهها.

فالإعلام، في نهاية المطاف، ليس خيرًا ولا شرًا بذاته، بل هو مرآة لمن يمسك بها إن لم يكن في يد من يخاف الله ويخاف على أمّته، فإنه يتحول بلا تردّد إلى أداة جريمة… لا تقتل الأجساد، بل تقتل الحقيقة أولًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى