آراءدولي

المطوع يكتب/ الاحتلال الإسرائيلي… عزلة تتعمق ومشهد قانوني جديد.. تحول الرأي العام العالمي

بقلم/ المحامي مبارك المطوع

بعد مرور أكثر من عامين على حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة المحاصر، تحولت فيه المعركو إلى أكثر من مواجهة عسكرية إلى أزمة سياسية ودبلوماسية زلزت صورة إسرائيل على الساحة العالمية، وأعادت الزخم إلى القضية الفلسطينية كقضية مركزية على مستوى العالم بعد سنوات من التراجع في الاهتمام العالمي؛ فمع تزايد عدد الضحايا المدنيين، وتكرار مشاهد الدمار والإبادة الجماعية والتجويع والتدمير، لم تعد الرواية الإسرائيلية قادرة على احتكار تفسير الصراع أو تبرير أفعاله تحت ذريعة الدفاع عن النفس.

استطلاعات الرأي الحديثة، مثل تلك التي أجراها مركز “بيو” في مايو أيار الماضي، أظهرت أن نصف الشباب تقريبًا في عشرين دولة من بينها بريطانيا وفرنسا وكندا، يحملون مواقف سلبية تجاه إسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو، في دلالة واضحة وصريحة على تبدّل الرأي العام العالمي؛ وفي أوروبا الغربية ايضا، وصل التأييد الشعبي لإسرائيل إلى أدنى مستوياته منذ تأسيسها، إذ أظهرت دراسة لـ“ذا غارديان” أن أقل من 20٪ من الأوروبيين ينظرون إلى إسرائيل بصورة بإيجابية.

هذا التحوّل الشعبي في الرأي العام العالمي ترافق مع ضغط دبلوماسي ليتحوّل بشكل متسارع؛ إلى اعتراف دولي بدولة فلسطين، إذ اعترفت أكثر من اثنتي عشرة دولة بدولة فلسطين بعد السابع من أكتوبر، من بينها دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا، في خطوة وُصفت بأنها “أكبر إنجاز دبلوماسي بعد الدم الفلسطيني”. كما تجلّى الرفض الدولي الصريح لسياسات الاحتلال في انسحاب أغلب وفود الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء كلمته الأخيرة لرئيس وزراء الاحتلال، في مشهد يعكس عزلة متزايدة لدولة الاحتلال حتى في المنتديات الرسمية.

وفي البعد القانوني لما يجري، يُعبّر هذا التحوّل عالميا عن انبعاث جديد لمبدأ المساءلة الدولية فمع تزايد توثيق الانتهاكات ضد المدنيين، وقرارات الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وصدور تقارير أممية تصف النظام الإسرائيلي بأنه نظام فصل عنصري، تتعزز فرص الملاحقة القانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من الهيئات المختصة؛ كما أن الاعتراف بفلسطين من قبل أكثر من 75 ٪؜ من دول العالم يعيد التأكيد على حق تقرير المصير، ويقوّض الأساس القانوني لاستمرار الاحتلال والاستيطان، وفق أحكام القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الرابعة.

التحول في الرأي العام العالمي لم يكن وليد الصدفة؛ فالإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي والحقوقين نجحوا في نقل الحقيقة من الميدان مباشرة إلى ضمير العالم، فكشفت زيف الرواية الإسرائيلية التي طالما هيمنت على الخطاب الغربي؛ ليتحول بعد ذلك الوعي الجمعي العالمي من التعاطف مع “الضحية الإسرائيلية” إلى إدراك حجم المأساة الفلسطينية، وماخلفه الاحتلال ليوجد حراكًا شعبيًا وحقوقيًا واسعًا يطالب بمحاسبة إسرائيل ووقف جرائمها واعطاء الفلسطينين حقوقهم الكاملة.

اليوم، وبعد توقف العمليات العسكرية يقف الاحتلال إلاسرائيلي أمام واقع دولي جديد، فقد فيه قدرته على تسويق روايته، وتراجعت فيه شرعيته الأخلاقية والقانونية، في حين تستعيد فلسطين حضورها في الوعي الإنساني والفضاء القانوني الدولي.
إن التحوّل الذي حصل بعد السابع من أكتوبر ليس مجرد تبدّل في الرأي العام، بل بداية تشكّل لنظام دولي أكثر حساسية تجاه العدالة والحقوق، يفتح الباب أمام مقاربة قانونية جديدة للصراع، أساسها المساءلة لا الحصانة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى