المطوع يكتب/ سلامٌ عليكم بما صبرتم… فسلامٌ على غزة

بقلم/ المحامي مبارك سعدون المطوع
﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) صدق الله العظيم؛ آيةٌ تُتلى في جنّات الخلود، لكنها اليوم تتردد على شفاه المؤمنين وهم ينظرون إلى غزة، فتغدو بشرى معلّقة بين السماء والأرض بوعد من الله سبحانه وتعالى، تبشّر الصابرين من أهل غزة ومجاهديها بأن الله قد شهد لصبرهم، وأنّ ملائكته قد خطّت أسماءهم في سجلّ الخالدين.
غزة التي حملت على أكتافها تاريخ الأمة، ووقفت في وجه آلةٍ لا تعرف للرحمة طريقًا، وارتكبت تجاههم خلال عامين أسوأ إبادة جماعية لم تُبدّل تبديلاً، ولم ترفع الراية البيضاء. فهي اليوم مدرسة الصبر الأولى، تُعلّم العالم أنّ الإيمان ليس كلماتٍ تُقال، بل ثباتٌ في وجه الطغيان، وسجودٌ تحت القصف، وإصرارٌ على الحياة رغم رائحة الموت التي تملأ الهواء.
سلامٌ على غزة، على أطفالها ونسائها وشيوخها وشبانها الذين ينامون على وعد العودة لا على وسادةٍ من أمان.
سلامٌ على أمهاتها اللواتي يودّعن أبناءهنّ بدمعةٍ خفية وقلبٍ راضٍ بقضاء الله وقدره.
سلامٌ على رجالها ومجاهديها الذين ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا.
في ميزان الأرض، قد تُقاس القوة بالسلاح، أمّا في ميزان السماء فالقوة بالصبر والثبات. وأهل غزة أقاموا الحجة على الدنيا كلها بأنّ العدالة لا تُقهر وإنْ أُطفئت أنوارها مؤقتًا، وأنّ الحقوق لا تموت ما دام في الأمة من يقول: “لا” في وجه الظالم والمعتدي.
ولأنني محامٍ أؤمن أن العدالة أساس العمران، أجد في صبر غزة أسمى درجات المحاكمة الأخلاقية للإنسانية جمعاء والتي صمتت الا البعض على مجزرة استمرت عامين، فالقضية ليست فقط قضية أرضٍ محتلّة، بل قضية ميزانٍ مختلّ بين قوى العالم. لكن التاريخ علّمنا أن الصبر باب النصر، وأنّ الظلم، مهما طال، زائل لا محالة.
واعيد واكرر يا غزة الصابرة وأهلك الصابرين أقول لكم، كما لم تُمحَ الحقيقة أمام ضوء محاكم نورمبرغ التي سُمّيت محكمةً لدحض الإفلات من العقاب بعد الحرب العالمية الثانية، حيث جُمع فيها الأدلة وأُحيلت الملفات ليقِف المجرمون أمام القانون وتُسجَّل تِلك الصفحات سوداءً في التاريخ ليُعلَّم الناس درسًا لا يُنسى.
والدرس نفسه يذكرنا كيف أنّ آلات الدعاية قَد تُصوّر القهر وتجمّل المجرم كما فعلت النازية في حقبتها لكن الحقيقة لا تُمحى بتجميل الصور، بل تُهزم بالوثائق والشهود والعدالة.
لذلك، فإنّ ما يجب عمله الآن هو جمع الأدلة، حفظ الشهادات، توثيق الجرائم بدقّة، وإحالتها إلى آليات العدالة الدولية والجنائيّة.
يا غزة، يا مرآة الصبر في زمن الخذلان…سلامٌ عليكِ بما صبرتِ، وسلامٌ على شهدائكِ الذين سبقونا إلى دار السلام.