آراءدوليصورة و خبر

المطوع يكتب/ ما يحدث في السودان… حين تبغي فئة على أمة

بقلم/ المحامي مبارك سعدون المطوع

يشهد السودان هذا البلد العربي الإسلامي اليوم مأساة إنسانية تتجاوز حدود السياسة والجغرافيا، لتغدو اختباراً صارخاً لضمير الأمة الإسلامية والعالم بأسره؛ فمنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أُغرق هذا البلد في أتون من العنف الدموي، الذي حصد أرواح عشرات الآف من الأهالي، وشرّد أكثر من خمسة عشر مليوناً بين لاجئ ونازح، وفق تقارير أممية ومحلية موثقة، واليوم مايزال المشهد في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، يختصر كل معاني الفاجعة؛ إذ تحولت المدينة إلى مقبرة مفتوحة بعد حصار خانق دام شهوراً، تخللته مجازر وإعدامات ميدانية وجرائم الإبادة الجماعية.

تُظهر الصور القادمة من السودان أن أكثر من ألفي مدني معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن – أُعدموا خلال الايام الماضية، على أيدي قوات الدعم السريع. وسبق ذلك حصار خانق للمدينة تم خلاله منع دخول الغذاء والدواء، وحرمان الأهالي من أبسط مقومات الحياة، في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف لعام 1949 التي تحظر استهداف المدنيين وتجويعهم كسلاح حرب.
المأساة السودانية ليست فقط مأساة قانونية؛ إنها أزمة أخلاقية ودينية أيضاً، تكشف غياب المرجعية الإيمانية التي تضبط سلوك المسلمين في أوقات الفتنة والاقتتال ففي الوقت الذي يتقاتل فيه إخوة الدم والدين، نستذكر قوله تعالى في القرآن الكريم منادياً بالحق والعدل:
“وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ” (الحجرات: 9).

إن هذا الأمر من الله سبحانه وتعالى ليس دعوة للانتقام، بل أمرٌ بالعدالة وحماية للمظلوم؛ إذ يجعل القتال مشروعاً فقط ضد الفئة الباغية حتى تعود إلى الحق، لا لإفنائها بل لإعادتها إلى سبيل الله.
من هنا تبرز الحاجة إلى قوة إسلامية راشدة، تعمل وفقًا لمنهج كتاب الله وسنة نبيه، تتبنى مشروع الإصلاح لا الاصطفاف، وتملك الشرعية الأخلاقية لردع المعتدي ووقف نزيف الدم الإسلامي، وتعيد إلى الأمة مفهوم “القتال في سبيل الله” بمعناه الأصيل: نصرة للمظلوم، وإحقاقاً للحق، لا تغوّلاً للسلطة أو انتقاماً للهوى.

إن ما يحدث في السودان من قتل وجرائم وتجويع وتهجير ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة لغياب العدالة الدولية وتفكك المرجعيات، وتخاذل العالم الإسلامي عن أداء دوره الأخلاقي والإنساني، فحين يسكت العقلاء، يتكلم السلاح، وحين يغيب العدل، يولد الانتقام، وحين يُنسى كتاب الله، تتكرر المأساة.

ويبقى الأمل أن تفيء الفئة الباغية المعتديه إلى أمر الله، وأن تنهض الأمة بعقيدتها قبل سياستها، لتكون كما أرادها الله سبحانه وتعالى: أمةً واحدةً، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقاتل البغي حتى تفيء إلى العدل والرحمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى