المفوضية السامية لشؤون اللاجئين و اتحاد الجمعيات والمبرّات الخيرية بحثا الاستجابة لأزمات السودان وبنغلاديش

في أجواء يخيّم عليها ثِقَل الأزمات الإنسانية المتصاعدة حول العالم، اجتمع اليوم في الكويت نخبة من القيادات الخيرية والجهات المعنية بالشأن الإنساني، في مائدة مستديرة نظّمتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع اتحاد الجمعيات والمبرّات الخيرية الكويتية، واستضافتها جمعية الإصلاح الاجتماعي – نماء الخيرية. وقد خُصصت الجلسة لبحث أوضاع اللاجئين والنازحين في السودان وأزمة الروهينغا في بنغلاديش، وتسليط الضوء على الاحتياجات الإنسانية العاجلة وسبل تعزيز التكامل بين الجهود الكويتية والدولية.
وشارك في اللقاء ممثلون عن وزارة الشؤون الاجتماعية ورئيس اتحاد الجمعيات والمبرات الخيرية وممثل مفوضية شؤون اللاجئين وأكثر من 22 جمعية خيرية كويتية، إلى جانب مداخلات مباشرة عبر الاتصال المرئي من فرق المفوضية العاملة في الميدان داخل السودان وبنغلاديش، لتقديم صورة حيّة عن التحديات اليومية التي تواجه اللاجئين والنازحين والقطاعات الحيوية التي تحتاج إلى دعم عاجل مثل التعليم والصحة والمأوى والمساعدات الموسمية.
شراكات تُؤسّس للإنسانية والعمل المشترك
قال سعد العتيبي، رئيس اتحاد الجمعيات والمبرّات الخيرية الكويتية: “إن هذه المائدة المستديرة تأتي في توقيت بالغ الحساسية نظرًا لحجم التحديات التي تواجهها المجتمعات المتضررة من النزوح في السودان وبنغلاديش. نحن نؤمن في اتحاد الجمعيات الخيرية بأن الأزمات الإنسانية—مهما اشتدت—يمكن مواجهتها عبر العمل التشاركي المنظم الذي يجمع بين الخبرة الدولية للمفوضية، وبين قدرات المؤسسات الخيرية الكويتية التي أثبتت عبر عقود قدرتها على الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفًا.”

وأوضح العتيبي أن الاتحاد يعمل كمنصة مركزية للتنسيق بين أكثر من سبعين جمعية ومؤسسة وقفية مسجّلة، وهو ما يتيح توحيد الجهود، وتفادي ازدواجية العمل، وتوجيه الموارد بدقة نحو التدخلات الأكثر أثرًا.
وقال: “نحرص على أن يكون كل مشروع إنساني نشارك فيه قائمًا على منهجية واضحة وأهداف قابلة للقياس، وأن يخضع لمعايير الحوكمة التي تحفظ الأموال وتضمن وصولها إلى مستحقيها. وهذا ما يجعل الشراكة مع المفوضية إضافة نوعية، لأنها توفر خبرة ميدانية مباشرة وتحديدًا دقيقًا للاحتياجات الفعلية.”
وتابع قائلاً:”الأزمة في السودان هي من أكبر الأزمات الإنسانية الراهنة، ولا تزال آثارها تمتد يومًا بعد آخر. فيما يعاني اللاجئون الروهينغا في بنغلاديش من ظروف قاسية تتطلب توفير حلول مستدامة. وهذا يستلزم تحركًا سريعًا من المؤسسات الخيرية والجهات المانحة لضمان استمرار توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية والتعليم، وهي مجالات نوليها اهتمامًا خاصًا في مبادراتنا المشتركة.”
وختم العتيبي تصريحه بالتأكيد على التزام الكويت الثابت بنهج العمل الإنساني: “سنواصل تعزيز شراكاتنا مع المفوضية ومع شركائنا الدوليين والإقليميين، وسنظل نقف مع كل إنسان متضرر، مستلهمين في ذلك توجيهات قيادتنا الرشيدة والقيم الراسخة التي حملتها الكويت للعالم، قيم العطاء والتضامن والمسؤولية الإنسانية.”
من جانبها، أكدت ممثلة المفوضية لدى دولة الكويت نسرين ربيعان تقديرها للدور الريادي للكويت وجمعياتها الخيرية، قائلة:
“لطالما كانت الكويت رمزاً للتضامن الإنساني. ومع وجود ما يفوق 117 مليون نازح حول العالم، تصبح الشراكات — ومن بينها تعاوننا مع اتحاد الجمعيات الخيرية — ركيزة أساسية لإنقاذ الأرواح.”
وحذّرت ربيعان من استمرار النقص في التمويل، مشيرة إلى أن استجابة أزمة الروهينغا في بنغلاديش ممولة بنسبة 35% فقط، فيما تتجاوز احتياجات السودان الإطار الإقليمي لتصبح أزمة دولية ممتدة تستوجب تضامناً طويل الأمد.
تأكيد حكومي على دعم المبادرات المشتركة
بدوره، شدّد ممثل وزارة الشؤون الاجتماعية عبدالمحسن المخيال على دعم الوزارة التام للمبادرات الخيرية التي تخدم المتضررين داخل الكويت وخارجها، مؤكداً أن “الكويت—حكومة وشعباً—سبّاقة في العمل الإنساني، وأن تعزيز التعاون بين الجمعيات والمنظمات الدولية يُعد أحد مسارات ترسيخ هذا النهج.”
نماء الخيرية: استضافة تعكس التزاماً راسخاً بالميدان الإنساني
قال عبدالعزيز الكندري، نائب الرئيس التنفيذي في جمعية الإصلاح الاجتماعي – نماء الخيرية: “إن استضافة نماء لهذه المائدة المستديرة يعكس التزامنا العميق بالعمل على تعزيز الجهود الإنسانية المشتركة، خصوصًا في ظل ما نشهده اليوم من تفاقم الأزمات الإنسانية حول العالم. إن الأزمة في السودان وأوضاع اللاجئين الروهينغا في بنغلاديش لا تتطلب فقط دعماً مادياً، بل تحتاج إلى فهم دقيق لمعطيات الواقع والتحديات اليومية التي تواجهها الأسر المتضررة.” وأضاف الكندري أن نماء تمتلك خبرة واسعة في تنفيذ المشاريع الإغاثية والتنموية عبر شراكات دولية ومحلية، ما يجعلها قادرة على دعم الجهود الإنسانية بخطط تنفيذية واضحة.
وقال: “لقد استمعنا خلال المائدة إلى تقارير ميدانية مباشرة من فرق المفوضية، وهو ما يؤكد الحاجة الملحّة لمضاعفة العمل في المجالات الحيوية مثل توفير المأوى اللائق، وتأمين الخدمات الصحية للمتضررين، وضمان استمرار تعليم الأطفال، خصوصًا في بيئات تعاني من هشاشة البنية التحتية ونقص التمويل.”
وأشار الكندري إلى أن نماء تولي اهتمامًا كبيرًا لتعزيز أثر العمل الخيري عبر الابتكار والحوكمة، قائلًا: “نعمل على توجيه التبرعات إلى مشاريع عالية التأثير، ونحرص على تقديم تقارير شفافة للمانحين والمتبرعين، بما يضمن الثقة ويعمّق أثر المبادرات الإنسانية. كما نسعى دائمًا إلى تبني حلول مستدامة، بحيث لا يقتصر الدعم على الإغاثة الفورية فحسب، بل يساهم أيضًا في تمكين الأسر من استعادة حياتها وإيجاد مصادر دخل وفرص تعليم وتحسين مستوى المعيشة.”
واختتم الكندري تصريحه قائلاً:”نحن ملتزمون بالعمل جنبًا إلى جنب مع المفوضية وشركائنا في القطاع الخيري الكويتي من أجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المتضررين. فالكويت كانت وستبقى عنوانًا للعمل الإنساني، والمؤسسات الخيرية الكويتية قادرة—بتعاونها وتنسيقها—على صناعة فارق حقيقي في حياة الإنسان أينما كان.” أ
وقدّم المشاركون من مختلف الجمعيات الكويتية رؤى متعددة حول سبل تعزيز التنسيق وتوجيه الموارد نحو التدخلات الأكثر إلحاحاً، فيما شددت رئيسة جمعية الرعاية الإسلامية فداء الوقيان على أن “العمل الخيري حين يتوحد يُحقق أثراً لا يمكن لمبادرات متفرقة أن تصنعه.”
السودان—الذي يشهد واحدة من أعقد أزمات العالم—اضطر فيه 14 مليون إنسان إلى النزوح منذ أبريل 2023، لا يزال منهم 12 مليوناً في عداد النازحين قسراً، داخل البلاد وخارجها، أما بنغلاديش فتستضيف أكبر تجمع للاجئين الروهينغا في العالم في 33 مخيماً تعاني من نقص حاد في الموارد.
اختُتمت المائدة المستديرة بالتأكيد على ضرورة تسريع العمل المشترك، وتوجيه الدعم إلى مجالات المأوى والصحة والتعليم والمساعدات الشتوية، لضمان توفير الحماية الكاملة للاجئين والنازحين الأكثر ضعفاً.



