آراءدولي

المقاطع: التطرف حالة متكررة

د. محمد عبد المحسن المقاطع
د. محمد عبد المحسن المقاطع

د. محمد عبد المحسن المقاطع:

مخطئ من يظن أن التطرف حالة معاصرة، ومخطئ من يشير إلى أن التطرف حالة طارئة، ومخطئ من يربط التطرف بدين معين، ومخطئ من ينسب التطرف إلى الإسلام. وواهم من يعزو التطرف إلى التربية، وواهم من يعتقد أن التطرف مرتبط بمجتمعات معينة، وواهم من يفسر التطرف بأنه وليد الظلم، وواهم من يحصر التطرف في أيديولوجية محددة. وليس صحيحاً أن التطرف قاصر على الفقراء وأنه طفرة لدى الأغنياء، وليس صحيحاً أنه يروج لدى غير المتعلمين بل يمارسه المتعلمون أكثر، ولذلك ليس للتطرف فكر ولا دين ولا مذهب ولا وصف بعينه، فهو موجود بكل المجتمعات والبيئات.

ومنذ أن خلق الله الخلق، وأنزل سيدنا آدم على الأرض، كانت بذرة الخير والشر ملازمة لابن آدم، وهو ما تمثل في سلوك متطرف من هابيل بقتله أخاه قابيل، وهكذا دارت عجلة البشرية لتعرف أن ذلك سلوك مرتبط بالبشر بصرف النظر عن أحوالهم وأوضاعهم وكثرتهم أو قلتهم، تنوعوا أو كانوا أبناء ابن واحد أو عائلة واحدة، أو حتى لو صاروا شعوباً وقبائل ومجتمعات، وها نحن نرى أن ابن نبي وهو سيدنا نوح قد نما في ذهنه تصور متطرف أوصله إلى الكفر ومخالفة الدعوة النبوية التي جاء بها أبوه، وما ذلك عن قلة تربية أو علم إنما هي حالة تطرأ على بعض الناس فيصبحوا متطرفين أو ربما إرهابيين، وقد علّمنا القرآن أن سيدنا لوطاً كان في مجتمع يمارس سلوكاً متطرفاً شاذاً وحاول إصلاحهم وتغيير ذلك السلوك، فكانت المفاجأة أن امرأته وهي في بيت النبوة قد أظهرت تطرفها، كما رأينا في قصة سيدنا يوسف مع أخوته وجميعهم قد نشأوا في بيت النبوة الحكيمة لدى أبيهم سيدنا يعقوب، ومع ذلك تآمر الاخوة بدوافع خاصة بهم بسلوك متطرف لإقصاء أخيهم وقتل أخ آخر لهم، ما يكشف أن هذا السلوك المتطرف نزعة بشرية، ولكن تختلف دوافعه وأحواله من شخص إلى آخر ومن ظرف إلى غيره.

وإذا عدنا إلى قراءة تاريخ الأمم والشعوب، فسنجد أن بين اليهود متطرفين، كما بين المسيحيين متطرفون، وكذلك بين المسلمين متطرفون، بل إن بين كل مذهب أو طائفة في أي دين من هذه الأديان تجد فئة أو أشخاصاً لديهم مثل هذا التطرف في الفكر أو في السلوك أو في المنهج، بل إنه لم يخلُ أي مجتمع قديم أو معاصر من مثل هذه السلوكيات، فوجد في أميركا كما وجد في أوروبا، وظهر في تركيا كما برز في ألمانيا، وعرفه العالم العربي كما عرفه العالم الغربي، ولذا فإن محاولة ربط أي تطرف أو إرهاب بدين هو وهم وتفسير يدور في فكر صاحبه أو لقصد لديه.

وفي ضوء ذلك، فإن «داعش» تماماً مثل الحوثيين في اليمن، والقاعدة مثل حزب الله في لبنان، وغيرهم من المتطرفين يتكررون في كل مكان، وهؤلاء جميعهم متماثلون، بل إن بعضهم «صنيعة»، ولكن علينا أن نعلم أن أمثالهم موجودون في كل مجتمع، وهم لا يدينون بفكرهم ولا يؤمنون بمنهجهم ولا يتفقون مع سلوكياتهم، بل ويستنكرون ممارساتهم، ولكنهم متطرفون بسبب ظلم أو فقر أو فساد أو غنى فاحش أو علم منحرف أو صرعة فكرية أو اجتماعية أو حتى سياسية. ولذا، فإن تحريض بعض فئات المجتمع بعضهم على بعض بأنهم من يزرع فكر التطرف أو يرعاه هو ضرب من الفجور في الخصومات السياسية أو الفكرية أو الطائفية، يرمي إلى غايات تحريضية لاستغلال ظروف أو أحوال معينة تمر على العالم، وهذا ما شهدناه بالأمس، وما نشهده اليوم، وسنشهده في الغد. إذاً، فالتطرف حالة تاريخية متكررة، فهلا وسعنا مداركنا، خصوصاً لدى رجال الدولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى