(اليونيسكو / الإيسيسكو) نسمع جعجعة ولا نرى طحنًا..
صافي محمد مظهر أحمد
المنظمات الدولية (اليونيسكو / الإيسيسكو) نسمع جعجعة ولا نرى طحنا..
منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( يونيسكو)..
بداية علينا ذكر تعريف مقتضب عنها وعن مهامها..
نشأت منظمة الأمم المتحدة عام ١٩٤٥م نتيجة للحرب العالمية الثانية، وكان من أهم أهدافها الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
يوجد العديد من الأجهزة الرئيسية والمنظمات المتخصصة تابعة للأمم المتحدة نذكر منها:
منظمة الأمم المتحدة للعلم والتربية والثقافة (يونيسكو).
تتبع اليونيسكو ١٩٥ دولة، يقع مقرها الرئيسي في باريس، وللمنظمة برامج وأهداف رئيسية وهي: التربية والتعليم، العلوم والطبيعة، العلوم الإنسانية والاجتماعية، والثقافة والاتصالات والإعلام، وتدعم العديد من المشاريع كمحو الأمية، والتدريب التقني، وبرامج تأهيل المعلمين وتدريبهم، والمشاريع الثقافية والتاريخية..
وكذلك نشأ في العالم الإسلامي منظمة موازية لها وهي منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة أو الإيسيسكو (بالإنجليزية: ICESCO) هي منظمة متخصصة تأسست عام ١٩٧٩م ويبلغ عدد الدول الأعضاء فيها ٥٢ دولة، تعمل المنظمة في إطار منظمة التعاون الإسلامي، تعنى بميادين التربية والعلوم والثقافة والاتصال في البلدان الإسلامية، لتدعم وتقوي الروابط بين الدول الأعضاء، ومقرها الرباط،
وتفعيلاً لمبادئ التضامن والتكافل والمساواة والتآخي التي يدعو إليها الإسلام و لتقوية التعاون بين الدول الأعضاء للنهوض بالتربية والعلوم والثقافة والاتصال بالوسائل الملائمة كافة؛ عملت الدول الأعضاء على مواجهة التحديات لضمان حياة كريمة للإنسان إلا أنها لم تصل للأسف إلى أدنى المستويات في التطبيق لما جاء في ميثاقها، وهذا تجلى في مواقفها وعجزها حيال ما قامت به الدول العربية بشأن الإنسان المسلم في ظل الحروب القائمة من إغلاق لحدودها في وجه المهجرين وعدم القيام بما يجب وبالمسؤوليات المُلزَمة بها تجاه النازحين في المخيمات الذين يعانون من ظروف معيشية سيئة جدا وصلت ببعضهم للموت، ونرى فشلها اليوم جليا في مواقفها حيال ما يجري في غزة من اعتداء على الفلسطينيين بالقتل والقصف والحصار وقطع الشابكة التي تتيح تواصلهم مع العالم الخارجي، كذلك نجدها في البلدان الأعضاء لم تستطع حتى حماية حق الرأي والتعبير للناس كمان ورد في ميثاقها من توصيات، وجميع مواثيق حقوق الإنسان، كما أننا نجدها أيضا لم تستطع ضمان حق التعليم للأطفال في بعض الدول العربية فمدارس الدولة مثلا لا تستقبل الطلاب العرب المهاجرين إليها ولا تقدم لهم أي مساعدات أو تسهيلات ويحرم الكثير من الأطفال من حق التعليم فقط لأنهم لا يملكون المال كما يحرم الكثير من المعيلين لهم من العمل ويرزحون تحت خط الفقر ولا تُجدد لهم الإقامات لعدم قدرتهم على دفع ما فُرض لتجديدها من مستحقات مادية .. كما يعامل اللاجئين والمهاجرين معاملة غير لائقة وفي بعض الدولة يعزلون في مخيمات غير صالحة للعيش كالزعتري ومثيلاته،
ونجد أيضا أن من مبادئ اليونيسكو النهوض بحرية الإنسان من خلال حرية التعبير والرأي والإعلام كمبدأ أساسي لأي مجتمع سليم حر ديمقراطي.. والتركيز على التعليم للجميع باعتباره حق أساسي لكل إنسان وتكريسه من خلال عمل الدول على إدراجه في تشريعاتها الوطنية، وتؤكد المنظمة أن التعليم هو مسؤولية مشتركة بين الأسر والمجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني والشركات، كما تدعم المنظمة تحسين إعداد المدرِّسين وتعزيز أوضاعهم وظروف عملهم وأنها يجب أن تبقى في صميم اهتمامات البلدان” ورغم مناداتها بكل هذه المبادئ إلا أننا نجد عجزها أيضا يتبلور في مظاهر التدهور الملازم للإنسان وعدم قدرة المنظمات على تحقيق ما توافقت عليه مواثيقها في جميع مناطق الصراعات والحروب..
كذلك من المفترض أن تعمل هذه المنظمات سواء اليونسيسكو أو الإيسيسكو على اتخاذ الخطوات الكفيلة بجعل كل مبادى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية لنبذ كل أشكال العنصرية والتمييز؛ عنصرا جوهريا في تكوين شخصية كل طفل ومراهق وشاب وراشد، وكذلك تكثيف برامج بث التوعية، وبذل جهود للتواصل مع المؤسسات التعليمية والتربوية، بهدف دعم البنى المعرفية المجتمعية.. ولكن الأحداث القائمة على الساحة العالمية والعربية تحديدا من حروب ونزاعات كانت عائقا حقيقيا وعقبة في طريق تحقيق تلك المنظمات لأهدافها أو بالعكس فالمنظمات هي من كانت عائقا في تحقيق بعض الأهداف لسياساتها غير الموائمة للواقع أو المعَطَّلة، فلم تستطع على سبيل المثال حتى حماية الصحفيين في مناطق الأحداث كذلك كان جهودها خجولة في مقارعة الفقر والتشرد الذي تعرض له الإنسان العربي خاصة في سوريا واليمن والبلدان العربية المشتعلة، ولم تستطع ضبط ولا حتى الحد من انتهاكات حقوق الإنسان وحماية هذا الإنسان من الإبادة التي يتعرض لها والتهجير على مرأى ومسمع العالم في سوريا وفلسطين واليمن وليبيا والعراق وغيرها
ومن المعروف أيضا أن إحدى مهام اليونيسكو هي أن تعلن قائمة مواقع التراث الثقافي العالمي وحمايتها والمحافظة على سلامتها..
إن ما يشهده العالم من احتلال وصراع ونزاعات وحروب يؤكد فشل منظمة الأمم المتحدة في مهامها المتمثلة بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ومنع نشوب الحروب، والواقع أن اليونيسكو وكذلك الإيسيسكو وقفتا شبه عاجزتين أمام التحديات الملقاة على عاتقها؛ فعلى صعيد التعليم مثلا: كانت أهداف المنظمة في الألفية الثالثة (التعليم للجميع) ومع ذلك جاء تقرير المنظمة أن ٢٥٠ مليون طفل في العالم لا يعرفون القراء والكتابة.، كما أن ٧٧٥ مليون شخص من بين الكبار أميون وثلثهم من النساء.
فقد دُمِّرت عشرات الآلاف من المدارس في مناطق الحروب والنزاعات مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا.
وبذلك نجد أن اليونيسكو لم تحقق الأهداف المرجوة منها على صعيد تحقيق النتيجة المستدامة والتوازن الفكري والأخلاقي ونبذ الكراهية ومحو الأمية ورفع مستوى التعليم.
وأما على صعيد الحفاظ على المعالم الأثرية والتاريخية والثقافية:
تتعرض الكثير من المواقع الأثرية المدرجة على قائمة التراث العالمي في أماكن الاحتلال والنزاعات والحروب الطائفية والمذهبية للتدمير والنهب والسرقة وتغيير المعالم وطمس الهوية الثقافية للشعوب..
ومنذ أن قامت إسرائيل باحتلال القدس عام ١٩٦٧ وهي تعمل جاهدة للسيطرة عليها بالكامل وتغيير ملامحها العربية والإسلامية وتهويدها، وتعتبر سياسة التهجير القسري للفلسطيني من مدينة القدس بغية خلق واقع جديد يكون فيه اليهود هم الغالبية في القدس، بالإضافة لسحب الهويات ومصادرة الأراضي والبيوت..
ورغم القرارات الصادرة عن اليونيسكو المؤيدة لحق الفلسطينيين واعتبار القدس مدينة محتلة إلا أن إسرائيل ضربت كل القرارات الدولية عرض الحائط بدعم ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ٢٠٠٣ اقتحمت أول مجموعة من اللصوص المتحف الوطني في بغداد الذي تعرض للنهب على مدار ٣٦ ساعة واستولوا على حوالي ١٥٠٠٠ قطعة أثرية، تم استعادة ٧٠٠٠ منها وما زالت ٨٠٠٠ قطعة منها مفقودة وهي ذات قيمة تاريخية باعتبارها تعود لآلاف السنين.
تعد عمليات النهب أسوأ أعمال التخريب الثقافي في العصور الحديثة ومن الأمور الكارثية بحق الإنسانية.. هذا ويملك العراق العديد من المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي وتعرض الكثير منها للتدمير نتيجة الغزو الأمريكي للعراق ٢٠٠٣ وبسبب الحروب والصراعات الدينية والمذهبية.
كما أن الجمهورية العربية السورية تمتلك الكثير من الآثار والمعالم أيضا التاريخية والتي تعرض معظمها للتدمير والحرق والنهب بسبب الحرب القائمة.
إن ما قام به تنظيم الدولة الإسلامية داعش في تدمر أعظم شاهد على ذلك..
وقال خبير الآثار وائل حفيان: إن تنظيم داعش ألحق أضرارا جسيمة بأحد آثار تدمر بعد سيطرته عليها حيث ألحق بالمصلبة (الترابيلون) أضرارا جسيمة حيث لم يبق منها سوى أربعة أعمدة من ستة عشر عمودا، كما ألحقت أضرارا بالمسرح الروماني، وكذلك دمر داعش قوسا أثريا عمره ١٨٠٠ عاما ومعبد بعل شمين الذي يبلغ عمره نحو ألفي عام، ويعتبر من أهم الكنوز الأثرية للشعب السوري وللإنسانية.
وفي ٢٠١٥ قتل الدواعش الباحث خالد الأسعد بتهمة أنه يعمل حارسا ومديرا لأصنام تدمر الأثرية.
وكذلك أكثر من مليون قطعة أثرية سرقت من الرقة وبصرى الشام ومعرة النعمان وحمص بالإضافة لمتحف إدلب الذي يحتوي أرشيف (إيبلا) العظيم.
في مناطق النزاعات والحروب لم تسلم حتى التماثيل والقبور من العبث والحقد الطائفي.. ففي آذار ٢٠٠١ دمرت طالبان بعد سيطرتها على وادي باميان رؤوس التماثيل بحجة أنها مخالفة للشريعة الإسلامية وبعدها تم تدمير كامل لها بواسطة الديناميت..
وفي الأيام الأخيرة تعرض ضريح الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز للنبش والإحراق في قرية دير شرقي في ريف إدلب في شباط ٢٠٢٠.
نستخلص مما سبق أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة يونيسكو وكذلك منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) والتي تعنى كنظيراتها الأممية بميادين التربية والعلوم وتقوية الروابط بين الدول ما كانتا على قدر المسؤولية الملقاة على كاهل كل منهما في تدعيم الروابط والقضاء على الأمية والنهوض بمستوى التعليم والحفاظ على الإرث الحضاري والإنساني من أعمال القتل والتشريد التخريب والنهب والطمس للهوية وتغيير المعالم..