حوادث وقضاياشـؤون خارجيةصورة و خبر

باكستان وإيران… خطوة نحو شراكة حدودية جديدة

في قاعةٍ مضاءةٍ بضوء خافت في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، جلست الوزيرة الإيرانية فرزانه صادق قبالة وزير الاتصالات الباكستاني عبد العليم خان، بينما كانت ملفات التجارة والعبور الحدودي تتكدّس على الطاولة بينهما.

لم يكن الاجتماع عادياً، بل جاء تتويجاً لأشهر من النقاشات الهادئة والزيارات المتبادلة، ومحاولة جديدة لرأب الصدع في واحد من أكثر الملفات تعقيداً بين البلدين: التجارة الحدودية المقيّدة بالعراقيل اللوجستية والسياسية.

خلال الساعات التي سبقت التوقيع على الاتفاق، بدا واضحاً أن الطرفين يرغبان في كسر حالة الجمود التي طالت لسنوات.

وبحسب ما نقلته تقارير إعلامية باكستانية، فقد توصل الجانبان إلى تفاهم يقضي بتشكيل لجنة مشتركة تضم مسؤولين وخبراء من البلدين، تتولى خلال أسبوع واحد رفع تقريرها النهائي حول أبرز العقبات التي تواجه حركة التجارة والنقل عبر الحدود.

الهدف المعلن للجنة بسيط في صياغته، لكنه معقّد في التنفيذ: تسهيل مرور الشاحنات والبضائع عبر المعابر المشتركة، ومعالجة نقاط الاختناق التي تُبطئ التجارة بين البلدين، خاصة على معبر تافتان–ميرجاوه، الذي يُعد الشريان التجاري الأهم بين باكستان وإيران.

تفاصيل اللقاءات

لم يقتصر الحوار على الاجتماع الرسمي فحسب؛ فقد عقدت الوزيرة الإيرانية سلسلة لقاءات مع وزير السكك الحديدية الباكستاني حنيف عباسي ووزير التجارة الاتحادي جام كمال خان، حيث جرى استعراض تفصيلي لسبل تعزيز الربط البري والسككي بين البلدين.

تحدث الجانبان عن إمكانية تطوير خطوط السكك الحديدية التي تربط كويتا الباكستانية بمدينة زاهدان الإيرانية، وتحويلها إلى ممر تجاري إقليمي يخدم حركة البضائع بين جنوب آسيا والشرق الأوسط.

من جانبه، أكد الوزير عبد العليم خان أن إسلام أباد ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لتسريع عملية تخليص الشاحنات الإيرانية، موجهاً تعليماته إلى هيئة الخدمات اللوجستية الوطنية وهيئة الإيرادات الاتحادية لمعالجة الإشكالات الميدانية “بشكل عاجل وفعّال”.

ما وراء الاتفاق

ورغم الطابع الفني الظاهر للاتفاق، إلا أن المراقبين يرونه يحمل أبعاداً استراتيجية أعمق.
فإيران التي تعاني من وطأة العقوبات الاقتصادية، ترى في باكستان بوابةً بريةً حيوية للوصول إلى أسواق آسيا، كما أن طهران تسعى لتفعيل دور ميناء جابهار كمنافس استراتيجي لميناء جوادر الباكستاني، ضمن لعبة موازين القوى البحرية في بحر العرب.

أما باكستان، فتجد في التقارب مع إيران فرصةً لتخفيف الضغوط الاقتصادية، وتوسيع نطاق علاقاتها التجارية بعيداً عن الاعتماد المفرط على الصين والخليج.

كما أن تحسين الأوضاع في المناطق الحدودية، لا سيما في إقليم بلوشستان، يمكن أن يسهم في خفض التوترات الأمنية التي طالما أرهقت البلدين.

المعوقات الكامنة

لكن الطريق إلى تعاون فعلي لا يبدو سهلاً. فالعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران ما زالت تقيّد التعاملات المالية والمصرفية، ما يصعّب عمليات التسوية التجارية.

كما أن ضعف البنية التحتية في المعابر الحدودية، والبيروقراطية الجمركية، والتهريب عبر الحدود تمثل تحديات مستمرة أمام تحقيق انسيابية حقيقية في التجارة.

إضافة إلى ذلك، لا يمكن فصل أي اتفاق اقتصادي بين البلدين عن الحسابات السياسية الإقليمية، حيث تمثل علاقات باكستان الوثيقة مع السعودية، والارتباطات الإيرانية مع مجموعات إقليمية مختلفة، عامل توازن دقيق تحتاج إسلام أباد إلى إدارته بحذر.

أهمية التوقيت

يأتي هذا التحرك في وقتٍ يشهد فيه الإقليم تحولات جيوسياسية متسارعة، مع تصاعد الحديث عن مشروعات الربط الإقليمي من الصين إلى الشرق الأوسط، ومن روسيا إلى بحر العرب.
وفي ظل هذه الديناميات، تسعى باكستان وإيران إلى إيجاد موطئ قدم في خريطة الممرات التجارية الجديدة، بحيث لا تبقيا على هامش منظومات التكامل الاقتصادي الصاعدة.

رؤية أوسع

الاتفاق الجديد قد يشكل بداية مسارٍ مختلف للعلاقات الباكستانية–الإيرانية، مبني على المصالح العملية بدلاً من الشعارات السياسية. ففي منطقةٍ تتنازعها الاستقطابات الطائفية والتجاذبات الجيوسياسية، يُعد بناء الثقة عبر التجارة والربط اللوجستي خياراً أكثر استدامة لكلا الطرفين.

وإذا نجحت اللجنة المشتركة في تقديم حلول ملموسة خلال أسبوع كما هو مقرر، فسيكون ذلك اختباراً حقيقياً لجدية النوايا، وقد يفتح الباب أمام تفاهمات أوسع تشمل مجالات الطاقة والنقل العابر للحدود.

خاتمة

لم يكن اللقاء في إسلام أباد مجرد اجتماع رسمي بين وزيرين، بل رسالة سياسية ذات طابع اقتصادي: أن باكستان وإيران، رغم الخلافات والتحديات، تدركان أن طريق الاستقرار في المنطقة يبدأ من بوابة المصالح المشتركة، وأن التعاون في الشاحنات والطرق قد يكون أكثر فاعلية من التصريحات والمواقف.

وفي عالمٍ تتسارع فيه التحالفات وتتحول فيه الجغرافيا إلى اقتصاد، يبدو أن إسلام أباد وطهران اختارتا ـ ولو متأخرتين ـ أن تلتقيا عند منتصف الطريق.

وتعتبر هذه المؤتمرات منصات استراتيجية لإجراء محادثات ثنائية واستكشاف آفاق التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي بين إيران والسعودية.

السياق الاستراتيجي للعلاقات الإيرانية-السعودية

ـ التحول الدبلوماسي الأخير: تشهد العلاقات بين طهران والرياض مرحلة إعادة تواصل وتحسين بعد سنوات من التوترات الإقليمية على خلفية النزاعات في اليمن وسوريا ولبنان.

ـ فرص التعاون الاقتصادي: مشاركة وزراء الصحة والسياحة والتنمية الصناعية تشير إلى اهتمام الجانبين بتوسيع التعاون الاقتصادي والاستثماري، بما في ذلك السياحة، الطاقة، والصناعات التحويلية.

ـ الأبعاد الإقليمية والدولية: تنظيم اجتماعات متعددة الأطراف في الرياض يوفر مساحة لتنسيق المواقف الإقليمية حول القضايا الحساسة، بما في ذلك الأمن الإقليمي واستقرار أسواق الطاقة والتعاون في مكافحة الأوبئة.

المؤشرات والتوقعات

ـ توقع نشاط دبلوماسي مكثف: الأيام المقبلة ستشهد لقاءات مباشرة وجانبية بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين.

ـ تعزيز الثقة الثنائية: حضور وزراء إيرانيين رفيعي المستوى يشير إلى استعداد طهران للالتزام بآليات تعاون ملموسة مع الرياض.

ـ توسيع التعاون متعدد المجالات: الصحة، السياحة، الصناعة، والاقتصاد يمكن أن تصبح محاور أساسية لتعزيز العلاقات.

الأبعاد الاستراتيجية

ـ دبلوماسية متعددة المستويات: الجمع بين المؤتمرات متعددة الأطراف واللقاءات الثنائية يعزز المرونة الدبلوماسية ويتيح للجانبين اختبار فرص التعاون في بيئات مختلفة.

ـ التأثير الإقليمي: أي تقدم في العلاقات الإيرانية-السعودية يساهم في تخفيف التوترات الإقليمية، خصوصًا في الخليج واليمن.

ـ الرسائل الدولية: تأكيد السفير على النشاطات المقبلة يعكس رغبة إيران في الظهور كطرف فاعل واستراتيجي في المنطقة، مع التركيز على التواصل البناء مع الرياض.

خاتمة

تصريحات السفير الإيراني علي رضا عنايتي تؤكد أن العلاقات بين طهران والرياض تدخل مرحلة نشطة ومهمة، مع توقع انعقاد اجتماعات وزارية ومؤتمرات متعددة الأطراف تعزز الحوار والتعاون.

المراقبون المحليون والدوليون يركزون على نتائج هذه اللقاءات وكيفية ترجمتها إلى مشاريع ملموسة في المجالات الاقتصادية والسياسية والصحية، ما قد يشكل خطوة جديدة نحو استقرار إقليمي أوسع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى