آراءدوليصورة و خبر

مسعود يكتب: طوائف الصهيونية

توكل مسعود
توكل مسعود

بقلم / توكل مسعود

كنا فى مقالنا السابق مع ثلاث طوائف هم: بنو إسرائيل واليهود والذين هادوا … وقد ذكر بعض القراء كيف خاطب القرآن بنى إسرائيل المقيمين فى المدينة زمن النبى صلى الله عليه وسلم فقال: “قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين” سورة الجمعة … وقال عنهم: “من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا …. ” سورة النساء … فأقول وبالله التوفيق: إن هذا مجاز مرسل باعتبار ماكان … تذكيرا لهم بما كان من توبتهم وتوبة الله عليهم وما كان ينبغى لهم بهذا الاعتبار وقد يكون تبكيتا أيضا … وقد ورد هذا فى القرآن كثيرا فقال تعالى: “فألقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين” سورة الشعراء … ومعلوم أن السحرة كفار لا يسجدون لله رب العالمين، ولكن باعتبار ما كان، أى الذين كانوا سحرة … وقال: “وآتوا اليتامى أموالهم” سورة البقرة … ومعلوم أنه لا يتم بعد بلوغ، والبلوغ عند الخامسة عشرة، وإيتاء المال عند الواخد والعشرين فقد انتفت عنه صفة اليتم ست سنوات كاملة، ولكن باعتبار ما كان: أى الذين كانوا يتامى … وقال: “وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ….” سورة البقرة … وهى فى المطلقات اللائى انقضت عدتهن وانقطعت رابطة الزوجية عنهم، ولاعودة إليها إلا بعقد جديد وبمهر، ولكنه سماهم أزواجا باعتبار ما كان: أى الذين كانوا أزواجهم، وهكذا …. فهنا يقول: “من الذين هادوا” سورة النساء … باعتبار ما كان: أى الذين كانوا هادوا …. والله أعلم.

وأما وصف “أهل الكتاب” فقد نشأ فى الحجاز وأطلق على اليهود والنصارى: يهود المدينة ونصارى نجران وتغلب وإن كان اليهود أكثر استحواذا عليه لعلاقاتهم الحميمة مع قريش فى مكة من ناحية ومع الأوس والخزرج فى يثرب من ناحية أخرى … حتى كان بينهم أحلاف وموالاة وحروب وقتلى وأسر وفداء ونسب ورضاع وبيع وشراء … ويطلقه القرآن على الفريقين جميعا علمائهم وعامتهم … وليس له مدلول إلا الانتماء إلى اليهودية أو النصرانية بغض النظر عن كفر وإيمان وخيانة وأمان … فقد قال تعالى: “ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تامنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما” سورة آل عمران … وقال: “وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا” سورة آل عمران …

وأما وصف: “الذين أوتوا الكتاب” فقد نشأ أيضا فى الحجاز … ووصفت به فئة خاصة من “أهل الكتاب” وهم علماؤهم وأحبارهم ورهبانهم الذين وقفوا على حقيقة ما فى الكتابين من تصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم والذين تولى كثير منهم تحريف الكلم عن مواضعه أو من بعد مواضعه: أى تحريف الكتابين لفظا أو معنى … قال الله تعالى: “يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلنا مصدقا لما معكم” سورة النساء … وقال: “وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم” سورة البقرة …

ثم وصف: “الذين أوتوا العلم” فهو أخص من سابقيه ويعنى به المؤمنون من أهل الكتاب الذين صدقوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم: “إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا” سورة الإسراء …

لم يكن فرق بين المصطلحات الثلاثة عند العرب قبل الإسلام فكان أهل الكتاب بالنسبة لهم أهل علم حتى جاء القرآن فبين أنهم ليسوا سواء فقال تعالى: “ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهو يسجدون” سورة آل عمران … ومن هنا جاءت بعض إطلاقات القرآن كقوله تعالى: “قل كفى بالله شهيدا بينى وبينكم ومن عنده علم الكتاب” سورة الرعد …  وكقوله تعالى: “ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا” سورة محمد … فلم يكن هؤلاء بالضرورة من مؤمنى أهل الكتاب وإنما وصفهم بالعلم جريا مع ظن المشركين فقد كان ذلك حجة عليهم. ..

ثم أحدث الطوائف وأخراها: “الصهيونية” …. وهى حركة سياسية يهودية قامت على فكرة رفض اندماج اليهود فى المجتمعات والعودة إلى أرض الآباء والأجداد فى فلسطين وإقامة دولة “إسرائيل” وإعادة بناء هيكل سليمان الذى يرمز إليه جبل صهيون فى بيت المقدس … ويعتبر “تيودور هرتزل” هو مؤسس الحركة الصهيونية، لكن الفكرة نفسها قديمة جدا توارثتها أجيال اليهود منذ سقوط دولتهم ودخولهم الشتات على يد الرومان بعد القرن الأول من ميلاد المسيح،  فقد كان اليهود يأتون إلى بيت المقدس طوال زمن شتاتهم فيحملون الأحفان من ترابه يعودون به إلى ذويهم فى شتى البقاع ليظل الانتماء باقيا وتبقى فكرة العودة ماثلة ويستمر العمل من أجل تحقيقها  … قامت الحركة الصهيونية بعقد أول مؤتمر لها فى بازل بسويسرا فى 29 أغسطس 1897 فشجعت اليهود على الهجرة إلى فلسطين وجمعت الأموال وأقامت المعسكرات على أرض فلسطين لتدريب اليهود على حمل السلاح فى وقت كانت الدولة العثمانية تحتضر وحتى سماها القيصر الروسى “الرجل المريض” ودعا بريطانيا لمشاركته فى اقتسام  أراضى الدولة العثمانية وسماها “نركة الرجل المريض” ثم شاركت فى ذلك كل دول أوروبا مجتمعة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى