برلين تدعو الشرع إلى زيارتها لمناقشة ترحيل السوريين.. تحوّل في سياسة ألمانيا تجاه دمشق

أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس أنه دعا الرئيس السوري أحمد الشرع إلى زيارة رسمية إلى برلين، لبحث آليات ترحيل المواطنين السوريين المدانين بجرائم من الأراضي الألمانية إلى وطنهم.
وقال ميرتس في مؤتمر صحفي أمس الاثنين: “سنواصل بالطبع ترحيل المجرمين إلى سوريا. هذه هي الخطة. وسوف ننفذ ذلك الآن بطريقة ملموسة للغاية.”
وأضاف أن ألمانيا “ترغب أيضًا في المساهمة في تحقيق الاستقرار داخل سوريا”، مشيرًا إلى أن الهدف من اللقاء مع الشرع هو مناقشة حلول مشتركة لمسألة الترحيل وإعادة العلاقات الثنائية ضمن أطر عملية واقعية.
من سياسة الأبواب المفتوحة إلى نهج الترحيل الانتقائي
تأتي هذه الدعوة بعد عقد من سياسة “الأبواب المفتوحة” التي انتهجتها المستشارة السابقة أنجيلا ميركل عام 2015، والتي استقبلت ألمانيا بموجبها نحو مليون لاجئ، معظمهم من السوريين الفارين من الحرب الأهلية.
غير أن التحولات الداخلية ـ من صعود اليمين المتطرف إلى تراجع الثقة في سياسات الاندماج ـ دفعت حكومة ميرتس المحافظة إلى تبنّي نهج أكثر تشددًا تجاه الهجرة واللجوء.
وأكد ميرتس أن “الحرب الأهلية في سوريا قد انتهت، ولم يعد هناك أي مبرر قانوني أو إنساني لاستمرار اللجوء الجماعي في ألمانيا”، في إشارة واضحة إلى أن حكومته تستعد لإعادة تقييم الوضع الأمني في سوريا بما يتيح استئناف عمليات الترحيل المتوقفة منذ سنوات.
منذ إطاحة الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 وتولي أحمد الشرع رئاسة الحكومة الانتقالية، تشهد سوريا انفتاحًا دبلوماسيًا واسعًا نحو القوى الغربية والعربية، في محاولة لإعادة دمجها في النظام الدولي بعد أكثر من عقد من العزلة.
وقد قام الشرع خلال الأشهر الأخيرة بسلسلة زيارات خارجية إلى موسكو، وأنقرة، والرياض، ومن المنتظر أن يزور واشنطن في وقت لاحق من نوفمبر الجاري، في ما يبدو أنه جولة لإعادة بناء الثقة مع العواصم المؤثرة في مرحلة إعادة الإعمار وإدارة العودة الطوعية للاجئين.
وتفتح دعوة ميرتس للرئيس الشرع صفحة جديدة في العلاقة الأوروبية ـ السورية، لكنها أيضًا تكشف عن معادلة دقيقة تجمع بين البعد الإنساني والاعتبارات الأمنية.
فبرلين، التي تستضيف أكبر جالية سورية في أوروبا، تجد نفسها أمام توازن صعب بين واجباتها الحقوقية ومصالحها السياسية الداخلية، في ظل تصاعد الضغوط الشعبية لمواجهة الجريمة والهجرة غير النظامية.
كما أن التنسيق المحتمل بين ألمانيا والحكومة السورية الجديدة قد يمثل نقطة تحول في الموقف الأوروبي الجماعي من دمشق، بعد سنوات من القطيعة، وقد يطلق نقاشًا أوسع داخل الاتحاد الأوروبي حول إمكان تصنيف سوريا مجددًا كـ”دولة آمنة” لإعادة اللاجئين.
خاتمة
بهذه الدعوة، تضع برلين نفسها في مفترق طرق بين الواقعية السياسية والمسؤولية الأخلاقية.
فبين رغبتها في استعادة السيطرة على ملف الهجرة، وسعيها لدعم استقرار سوريا ما بعد الأسد، تتشكل ملامح مرحلة جديدة من الدبلوماسية الأوروبية ـ الشرقية، حيث الترحيل يصبح أداة تفاوض، والاستقرار يتحول إلى هدف استراتيجي مشترك.



