آراءمحلي

بشارة: قوى التحريض الناعمة

عبدالله بشارة
عبدالله بشارة

عبد الله بشارة – الوطن:

يتحرك الصغار بتدبير من الكبار، هذا واضح في الاحتكاكات التي تتواصل منذ دخول النائب السابق مسلم البراك السجن وخروجه بكفالة، ثم بيانه بالاستمرار بالمسيرات اليومية حتى تتحقق مطالبه في حكومة شعبية منتخبة.

ويبدو بأننا قادمون على شيء غير معتاد مع حجم العنف وارتفاع الحدة، فالأمر يحتاج الى تحليلات فالمواقف واضحة ويبدو ان الشقاوة التي نراها الآن ستتحول الى مواجهة وبكلفة عالية اذا لم يتسيد العقل وتبرز سعة الصدر.

ففي اليوم الذي التقى فيه سمو الأمير بعض رجالات الكويت، حيث يتحدث عن عزمه بأن لا يسمح بالعبث بأمن واستقرار الكويت، كان السيد مسلم البراك محمولا على أكتاف المؤيدين يتحدث عن الاصرار على المضي وفق برنامج متواصل حتى تأتي حكومة شعبية منتخبة.

ولا أعرف كيف ستأتي حكومة شعبية دون حدوث اتفاق بين سمو الأمير راعي الدستور وهو المرجع النهائي لدستورية الحكم، وبين أبناء الوطن، فالأمير يختار من يراه مناسبا لرئاسة الوزراء، ولا يمكن اغتصاب هذا الحق دون تعطيلات وانتهاكات تفتح أبواب الاضطراب الخانق المؤدي الى تحطيم المؤسسات وزرع الفوضوية وتسيد اللاقانونية مع احتمالات صدامات لا تنتهي تمس شرعية الدولة وتاريخها، ونذكر بأن مثل هذا الطموح يتطلب التوافق الشعبي من جميع مكونات الشعب ولا يمكن لفئة ان تستأثر بما تريد، فحيوية الدستور وفاعليته تأتي من هذا الاجماع.

واذا كان أصحاب نظرية الحكم الشعبي يتصورون بأن الموافقة قد تحصل، فهم واهمون، لأن في ذلك زعزعة الدولة بكل تاريخها ومكانتها، ولهذا فربما تأتي النصيحة الناضجة من شركاء البراك في الحراك بأن المطلوب في هذا الفصل تأكيد الدستور وحماية مبادئه وممارسة العمل السياسي من داخل حضن الدستور بالتوعية المتلاحقة بأن اختيار رئاسة الوزراء مفتوح للكفاءة التي تملك مواصفات القيادة بتجارب مقنعة وقوة الارادة وحسن القيادة في التصدي مع الانفتاح التحاوري مع أطياف المجتمع والتحلي بجرأة اتخاذ القرار.

كل الخطوات مهما كانت الشطحات فيها مقبولة على شرط ان تبقى في اطار الدستور وأن تنبع من حضنه وأن تخرج من ضلوعه، لأن القفز على مبادئه تصبح صياغة أفكار تؤسس لهدم ثوابت الدولة.

ليس طبيعيا حجم العنف الذي رأيناه خلال الاسبوعين الماضيين، وليس فيه ما يوحي بأنه صناعة وطنية أصلية، فلا يحمل الكويتيون نزعة العنف ولم تعتد أعينهم على رؤية تدمير الممتلكات العامة وحرق السيارات مع حرائق من فعل الشيطنة المخربة.

ومن المؤكد بأن هناك قوى نائمة تحرض وتدس وتوسوس في أذن الصغار، وهي خلايا سياسية هادئة تغذي الشحن اليومي بتجنيد الصغار وضم المتعثرين من الغاضبين ومن المحبطين الذين لم يعثروا على ما يريدونه ولم تبتسم لهم الحياة، فاشتطوا في غضبهم على هيكل الدولة وعلى كل ما فيها ومن فيها وفق برنامج آلياته ارهاق رجال الأمن وادخال الاعياء واليأس عبر تعدد الحشودات وتنوعها وتنقلها الى مختلف المواقف وباختيار الجغرافية الملائمة وارباك خطوط رجال الشرطة ومفاجأتهم، بالتنطط في مختلف الزوايا.

هذا ما نراه على الشاشات التي تنقل الحدث وبسرعة يلتقطها العالم وتقفز صورة الكويت المشينة الملطخة بدماء الأبرياء ويصور حدثا يُضرب وآخر يتلوى من اصابة مطاطية فتنتشر اللوحة الكريهة الى أصقاع الدنيا حيث تنال الكويت التقريع والنقد اللاذع وتوضع بقرب زمبابوي وربما كوريا الشمالية حيث لا حقوق للانسان ولا كرامة له.

ولحسن الحظ ان قراء العالم لا يجيدون معاني ما تنقله آلات التوتر وزميلاتها في تكنولوجيا الاتصالات ولا يفهمون لغة الغلو في الألفاظ البذيئة والمفردات السوقية تكتب باللغة العربية واللهجة الكويتية حيث هوت في سقوطها الى أدنى قاع، ولا تحمل في مضمونها احتراما لأحد ولا صونا لسمعة أحد، وأحيانا أتعجب من السفالة والقذارة التي تتحكم في ذهنية هؤلاء الذين تستهويهم الشتيمة والنميمة.

وبدون اطالة نقول لا تملك المعارضة عنوانا يختزن أفكارا ومبادرات تأسر الرأي العام وانما تقتات في وجودها على ملف الخيبات الذي يتورم مع الوقت بسبب اخفاقات الحكومة في تولي مسؤولياتها في فرض القيادة بالحديث والتحاور والشفافية الصريحة، ولا تقوم بواجبها في تقديم ما يدور داخل أبوابها وبدون مساحيق لفظية وبوضوح مفهوم حتى وان كان بالمفردات الكويتية، كيف تترك الحكومة أبناء الشعب في تساؤلات عما يدور حول أشرطة الشبيحة التي سببت ذعرا في المجتمع الكويتي، ولا تتحدث عن الاحترازات المتخذة حول داعش، ولا يعرف الناس موقفها من الاضافات لرواتب مقترحة من البرلمان ولا علاوات الأولاد ولا تملك خطا واضحا حول التركيبة السكانية، ولا تترك الفراغ في مجلس الوزراء ولا تملأ وزارات تركها الوزراء السابقون في استقالات منذ فترة، فلا يسمح الزمن بتأجيل المسؤوليات الى ان يأتي المزاج الرايق، مع التردد والبطء في القرار في الوقت المناسب.

والعنصر الآخر الذي تكسب منه المعارضة هو التلويح بالمرغوبات في صناعة التشويق للحكومة المنتخبة ورئيس من أبناء الشعب، وأمور ترغب في تحقيقها المعارضة خارج اطار الدستور وبالفرض عبر تراكمية المظاهرات.

ونحن نعرف حجم العوائق امام طرح التغيير الدستوري، لأن الدستور هو وثيقة استقرار الحاضر ودرب المستقبل والبديل عنه هو التكسير المجتمعي والسياسي والدخول في الفوضوية الطاغية..

ونقول للحكومة بأن المعارضة تفلس مع سطوة الانجازات ومع العزم بكشف المستور من فساد ومن تسجيلات مع فرض القانون والمساواة في العدالة والوجود القيادي اليومي في ادارة الدولة، ونحن ندري بأن الشعور الوطني والحماس ونقاوة النوايا والاخلاص والنزاهة كانت متوافرة في زعامات عربية ثورية لكنها فشلت في ادارة دولها وسببت لهذه الدول الهزائم والانكسار لأنها لم تستوعب فنون ادارة الحكم.

ونحن على يقين من نزاهة القيادة عندنا وننتقد اسلوب الادارة الذي يفتقر للحيوية ولم يحقق النجاح في تأمين اطمئنان الرأي العام على قدرته عند الشدة.

سألني صديقي عن تردد منظمات المجتمع المدني في شجب العنف الذي رافق المسيرات الاحتجاجية ومسببات اتباعها نهج النأي بالنفس بينما دورها يفرض التفاعل مع أحداث الوطن، ومسؤولياتها تأكيد الاستقرار والسلم السياسي الاجتماعي ومع ذلك لم يكن لها الصوت المسموع، وبعضها أظهر التودد للمعارضة وتعرض لاجراءات الحكومة نقدا ولم يشجب ما حدث من تدمير للممتلكات العامة وحرائقها.

وكل ذلك التقصير يعود في مسبباته الى غياب مفهوم التعامل مع الأزمات وتواضع الخيال ونقص المبادرات وقلة المعرفة بفنون الادارة الحديثة.

كيف ستخرج الكويت من هذه الحقبة الصبيانية، هنا علينا ان نعود الى مرجعية الدستور الفريدة في كلمات سمو الأمير بأن النيابة تحقق والقضاء يحسم والتطبيق يتم وفق سيادة القانون التي تتفوق على ما عداه في اذعان الجميع لها.

الاحتكام الى القانون جوهري في حياة الأمم، وفي ظني بأن هناك شيئا آخر تحتاجه الكويت وبمعية تطبيق القانون، تبرز الحاجة الى خريطة حديثة لمسيرة المستقبل تضم شخصيات لها قدرات وتملك الحيوية التي ينتظرها هذا الزمن.

٭٭٭

استحسنت كثيرا البيان الذي صدر من الحاج حمود الرومي رئيس جمعية الاصلاح الاجتماعي الذي طالب فيه بالالتزام بالقانون وبالوسائل السلمية بعيدا عن التعرض للممتلكات العامة والخاصة مع الايمان بحرية الرأي وفق الأطر القانونية.

نقول دائما بأن السياسة احتراف فيه تهذيب الباطل وتقبيح الحق، والاسلام خزان الحياة من القيم والمبادئ السامية فلا لقاء يجمعهما، ونأمل من الحاج الفاضل حمود الرومي حماية رسالة الجمعية من تلويث السياسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى