بعد وصوله لمستويات قياسية.. حملات لمكافحة التحرش في مصر

استحدث مدافعون عن حقوق النساء بمصر، أنماطًا لمواجهة ظاهرة التحرش الجنسي التي تشهد اتساعًا واضحًا في البلاد.
ومؤخرًا، انتشرت مجموعات على منصات التواصل الاجتماعي، للتشهير بالمتحرشين عقابًا لهم على الفعل المُجرم قانونًا، أبرزها “افضح متحرش”، و”امسك متحرش”، و”مش ها سكت (لن أصمت) عن التحرش”.
ويأتي “التجريس الإلكتروني” بالمتحرشين كخطوة أعلى من التدوين عن التحرش، الذي لاقى إقبالًا واسعًا بين النساء، خلال الأشهر الماضية، على عدة وسوم “هاشتاغات” من بينها “me too” “أنا أيضًا”، و”أول_مرة_تحرش_كان_عمري”.
وتشهد مجموعات “التشهير بالمتحرشين” تفاعلًا واسعًا بين النساء في مصر، لا سيما الفتيات في عشرينات وثلاثينات أعمارهن، حيث ينشرن مقاطع مصورة لشباب يتحرشون بهن لفظيًا أو بدنيًا.
وتعاني البلاد من بلوغ ظاهرة التحرش إلى مستوى خطير منذ سنوات، إذ قدرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن نسبتها في مصر بلغت حدا قياسيا (يطال حوالي 99 بالمئة من النساء) في 2013.
* مواجهات اجتماعية
قبل أيام، أثار هذا النمط من المواجهات الاجتماعية لظاهرة التحرش، جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، عقب قيام فتاة عشرينية بتصوير واقعتي تحرش تعرضت لهما أثناء انتظارها حافلة، شرقي القاهرة، ونشرهما على حسابها بموقع “أنستغرام”.
وكان أحد المقاطع المصورة لشاب يبدو ثلاثيني وهو يعرض على الفتاة تناول فنجان قهوة في أحد الأماكن، غير أنه انسحب فور انتباهه لقيامها بالتصوير، ما أثار جدلًا بين مؤيدين ومعارضين لسلوك الشاب على منصات التواصل.
فيما بدا تصوير المقطع الثاني في المكان ذاته لرجل أربعيني يدعوها لركوب سيارته ويعرفها على اسمه، وعندما يدرك أنها تقوم بتصويره قال متهكمًا “ها تنشري على فيسبوك وتويتر وانستغرام وتقولي امسك متحرش (…) كان نفسي اشتهر”.
وفي غضون ساعات قليلة، باتت الواقعتان حديث رواد منصات التواصل، إذ تجاوزت مشاهدتهما عشرات الآلاف خلال ساعات، ولاقت الفتاة على إثرهما انتقادات جمة حيال ملابسها التي اعتبرها البعض “مثيرة” فيما رأى آخرون أن ملابسها لا تبرر التحرش.
تلك الانتقادات دعت الفتاة إلى تسجيل مقطع مصور ثالث لها دافعت خلاله عن مظهرها قائلة: “كل الفتيات تتعرض للتحرش سواء محجبات أو غير محجبات (…) حتى المنتقبات يتم التحرش بهن”.
** جزء من المقاومة
واصفًا إياها بالوسيلة الأكثر تأثيرًا لما تسببه من “حرج اجتماعي للمتحرشين”، قال فتحي فريد، منسق مبادرة “أمان” لمناهضة العنف الجنسي (غير حكومية، مقرها القاهرة) للأناضول، إن “التجريس الإلكتروني لجريمة التحرش بات جزءًا أصيل من مقاومة ومناهضة الظاهرة”.
وأوضح فريد، أن “هناك العديد من وقائع التحرش لم تكن تلاحق قضائيًا في مصر لولا النشر على منصات التواصل، ولذلك أصبح التجريس الإلكتروني للمتحرشين وسيلة تكتسب يوميًا شعبية أكبر”.
واستشهد بذلك على الواقعة المعروفة إعلاميًا بـ”فتاة المول”، التي لولا تصويرها وانتشارها على منصات التواصل، لم يكن للمتحرش أن يلاحق قضائيًا واجتماعيًا مثلما حدث في الواقع.
وفي 2016، التقطت كاميرات أحد المراكز التجارية، شرقي القاهرة، شابًا يحاول مضايقة فتاة، وعند اعتراضها على سلوكه يصفعها على وجهها، وما أن نشرته الفتاة المتضررة على منصات التواصل حتى تم التعرف عليه وتوقيفه من قبل الأجهزة الأمنية.
وعزا فتحي فريد، لجوء معظم الفتيات إلى تجريس المتحرشين على الانترنت لـ”التحايل على الصعوبة البالغة في إثبات وقائع التحرش في القانون المصري”.
وتابع “إثبات وقائع التحرش الجنسي في مصر تشوبه حالة من الاستحالة، لأنه يفترض أن تتمكن الفتاة المتضررة من القبض على المتحرش واقتياده لأحد مراكز الشرطة وتوافر شهود عيان للواقعة، هو ما يصعب تحقيقه”.
وبالمقارنة، أشار فريد، إلى سهولة إثبات وقائع التحرش الإلكتروني التي يتم التوصل إلى المتحرش وملاحقته قضائيًا بواسطة إدارة مكافحة جرائم الإنترنت التابعة لوزارة الداخلية.
** تجريس في زمن العولمة
وفي مقال نشر بصحيفة الأهرام (مملوكة للدولة) قال الأكاديمي حمدي عبد العظيم، الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية (حكومية)، إن التجريس الإلكتروني للمتحرشين عبر الإنترنت ومواقع التواصل بات عقوبة رادعة.
وتابع عبد العظيم، “العصر الحديث يفرض أن يتم التجريس الإلكتروني لمرتكبي الجرائم غير الإنسانية كالتحرش والبلطجة، كعقوبة رادعة لهم تتفق مع عصر العولمة فيصير تجريسًا معولمًا”.
وفي 2014، غلظت مصر العقوبة على جريمة التحرش الجنسي لتصل إلى الحبس 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 3 آلاف جنيه (170 دولار)، ولا تزيد على 5 آلاف جنيه (280 دولار).
ومؤخرا، توسع القانون المصري في تعريف جريمة التحرش ليشمل “كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية”.
ورغم تغليظ العقوبة على جريمة التحرش، لكنها لا تزال تحدث على نطاق واسع، وفق رصد منصات نسوية غير حكومية، ما دفع كثيرين لعرض صور ومقاطع مصورة (فيديو) لمتحرشين، بغرض فضحهم اجتماعيًا وملاحقتهم قضائيًا.